فرح أمبدة يكتب : أعينوا هذا الرجل
بالأمس قلت، إن البلاد وهي تمر بهذا المنعرج الحاد، تحتاج للسياسي العاقل لا الناشط الهائج، إلى من لديه رؤية (VISION) لا قصير النظر الذي يستعجل النتائج دون أن يحسب حسابها.. من قاد “البسطاء” أمس الى اقتحام وكالة أنباء السودان، ومنع عقد مؤتمر صحفي معلن لقوى الحرية والتغيير، لا يمكن ان يكون سياسياً عاقلاً، ولا اظن مثل هذا تحتاجه البلاد، لو سأل نفسه ما الهدف السياسي الذي يمكن ان يحققه من وراء ذلك، فهل يقف على إجابة، هل سيزداد تأييداً، المؤتمر الصحفي يعني تزويد الناس بمعلومات وكشف رؤية وموقف، لماذا تقف دون ذلك يا هداك الله، وكيف تقول إنك مع التحول الديمقراطي، ليس هذا الأمر الذي كنت اريد تناوله اليوم، لقد فرضت الواقعة نفسها عليّ رغم أنفي.
مساء الجمعة ونهار السبت وحتى عصره، وربما ليله، قضى رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، الوقت “مسوسقاً” ما بين رفقائه من المدنيين في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والقادة المنشقين عنهم “جماعة القصر” وما بين الشركاء العسكريين، بهدف ردم الهوة التي عطّلت دولاب الدولة وجعلت من المواطن ضحية لصراعات السياسيين، حمدوك عاد الى البلاد وهو يحمل رؤية ومشروع (Vision & Project) يصارع الكل حتى يفتح الطريق لتنفيذه، اطلعت على تفاصيل هذا المشروع وهذه الرؤية ابان انعقاد المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في الخرطوم العام الماضي، حملته في كمبيوتري الشخصي وذاكرته لأيام، الرجل لم يترك إقليماً أو منطقة إلا ونسخ لها مشروعاً يناسبها، ويناسب إمكاناتها ومواردها، قسم السودان الي قطاعات اقتصادية، كل قطاع له مساهماته في الاقتصاد القومي، وتابعته بعد ذلك، حتى أتأكد من أنه ليس مثل غيره من الذين ينثرون الأحلام الوردية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وعلى مدى العامين، ظلّ الرجل يحفر في الصخر لوحده ويعافر في صمت، دون أن يغضب أحدا، لا يجادل، وترك الرسن للنتائج، وكانت كبيرة لمن يراها بعيدا عن الزنة في الاُذن، لا أريد ان اعيد تكرار ما قلته بالأمس، فقط أقول بأن التشوهات التي لصقت بالاقتصاد السوداني منذ تأسيس الدولة الحديثة، تم تشخيصها ووضع له “علاج” وان القطار قد وُضع على القضيب وبدأ يتحرك في الاتجاه الصحيح، برغم التركة المثقلة التي خلفها النظام البائد وراءه، وبالقطع لا ينتظر عاقل ان يصل القطار الى مبتغاه في عام او عامين ولكنه سيصل إن لم نوقفه.
وضع حمدوك منذ ان “صُنعت” الأزمة الحالية، نفسه في موقف المحايد، الساعي للإصلاح بين المكونين المدني والعسكري، ومكونات اخرى، لإدراكه بأن مشروعه ورؤيته لا تتحققان والأفق السياسي مسدود بهكذا حال، ودولاب الدولة متعطل، كما يعرف أن جبل العقبات سلاسل تتبع بعضها البعض، ويتحمّل كل ذلك العبء دون شكوى، والامر برمته واضح وجلي، ما يحكم الاطراف وثيقة “أصلية ومعدلة” لم يعلن أي طرف عدم اعترافه بها، ونفض يده عنها، “خلاص اجلسوا وشوفوا المشكلة وين”، ببساطة شديدة، بعدها تفرّقوا لبناء مؤسساتكم الحزبية، واتركوا الرجل يعمل، الشعب معه ويقف الى جانبه، فأعينوه هداكم الله ولا تجعلوه يروح من أيديكم.
والله وحده من وراء القصد,,,