الحرية والتغيير.. كتلة حاكمة أم معارضة؟!
* تحتاج أحزاب كتلة الحرية والتغيير، والأحزاب التي وراء تجمُّع المهنيين، تحتاج مُغادرة خنادق المُعارضة إلى مسؤولية مَنَصّات الحكم، وهي الآن بالفعل تتهيأ إلى تَسلُّم مقاليد البلاد (تسليم مفتاح) من المجلس العسكري، الذي بيده السلطة التي نزعها من النظام السابق.
* صَحيحٌ إننا نقدّر بأنّ هنالك بعض الأحزاب مُتعطِّشة إلى ثقافة تسيير (المَواكب)، وأنّها تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ حتى تَستوعب أنها الآن أمام مسؤولية تَاريخيّة بإدارة البلاد في فترة انتقالية بالغة الحساسية، كثيرة الأزمات.
*يفرض أنّ كل الأحداث بعد الثامن من أبريل تُسجّل لا محالة في دفتر العهد الجديد، وبطبيعة الحال أنّ صفوف الوقود والنقود وكل الأزمات الباهظة قد رَحَلت إلى (حكومة الفترة الانتقالية)، فبرغم كل التّدهُور والتراجُع الموروث، إلا أنّ المسؤولية قد انتقلت مع انتقال السُّلطة إلى حقبة جديدة.. وثورة تصحيحية ينتظر الشعب أن تضع الأمور في نصابها.
* قد يقول قائل إنّ السُّلطة لم تنتقل بعد، وما زالت بيد المجلس العسكري، وإنه يجب الضغط على المجلس العسكري بكل الوسائل حتى يُقدِّم المزيد من التنازُلات، سيما وأنّ ثقافة الضغط قد نجحت مع المجلس العسكري الذي ما زال يُقدِّم يومياً المزيد من التنازلات.
*غير أنّ هذه المواكب التي تتسبّب في صناعة المزيد من السُّيولة الأمنية والسِّياسيَّة والمُجتمعيَّة، قد تؤدي إلى شُرُوخاتٍ يصعب على حكومة (جبهة المهنيين) المُرتقبة مُعالجتها، فخير للحكومة المدنية التي هي على بُعد مسافةٍ قريبةٍ جداً من السُّلطة، خير لها ألف مرة أن تستلم دولةً مُتماسكةً على الأقل أمنياً، من بلدٍ مُتصدِّعٍ بفعل التجاذُبات والمَواكب والتشاكسات.
* يُقرأ مع ذلك امتحان تماسُك الكتلة التي تذهب إلى أكثر من عشرين حزباً وحركة وتجمُّعاً، قد وجد بينها في الماضي هدف التغيير، ليصبح أمامها الآن امتحان التجانُس وإمكانية تعزيز مبدأ التّنازُل الحزبي والأيدولوجي لصالح المجموعة والمرحلة والوطن.
*ثمة شيء آخر في غاية الأهمية، وهو الذي في كل مرّة يعجِّل بزوال الحقب التّعدُّدية، وهو بامتياز إدراك الخيط الرفيع ما بين الحرية والفوضى، أن تنتهي حُريتك عندما تبدأ حُرية الآخرين، يقرأ ذلك مع التعقيدات الأمنية في دولة بها عشرة جيوش حتى الآن، نصف هذه الجيوش حركات مُسلّحة تحتاج هي الأخرى أن تنتقل للمُمارسة السلمية المدنية بعد أن تضع سلاحها جانباً!!
* وان ننسى لن ننسى الملف الاقتصادي الأكثر صُعوبةً وتعقيداً، وهو الذي أطَاحَ بكل الحُكومات وآخرها نظام الإنقاذ الأخير، على أن كل المُسوِّغات الأخرى ما كانت أن تفعل ما فعلته الأزمات الاقتصادية، على أنّ شرارة هذه الثورة قد انطلقت من أمام مخبز صغير بمدينة عطبرة، عندما لم يجد طلاب مدرسة عطبرة الثانوية الصناعية في ذلك اليوم خُبز إفطارهم!!
* صحيحٌ إنّ الجماهير الآن (تتريّق) بترياق الثورة وتتغذّى بأشواق التغيير، غير أنّ الأمر بمُرور الأيام لن يكون بهذا الشكل، بحيث يجب أن تقرش كل شعارات الثورة إلى خُبز ووقودٍ وسُيولة مصرفية وخدمات، على أنّ الجوع واحدٌ في كل الأزمنة، ليس هنالك جُوعٌ مُقدّسٌ يمكن أن تصير الجماهير عليه اللهم إلا في شهر رمضان، لهذا وذاك يجب أن تتّجه المَواكب والكرنفالات إلى حيث صناعة الحياة الكريمة للمواطن.. وليس هذا كلما هناك.