استحسنتُ توجّه المجلس العسكري الانتقالي القائل والمؤكد غير مرة أنه لن يفض اعتصام القيادة العامة بالقوة، بل وأعلن على لسان الناطق باسمه الفريق شمس الدين كباشي استعداد المجلس لدعم الاعتصام لوجستياً، وهو ذات ما ذهب إليه مسبقاً الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب الرئيس، إذ تعهد بتشييد بعض المرافق للمعتصمين، وهو بالإجمال تجديد لتأكيد المنظومة العسكرية بحرصها على تفادي اي احتكاك ومخاشنة تؤدي لإزهاق روح أو سفك دماء، وهي المواقف التي تدحض بعض الصرخات المتكررة بين الفينة والأخرى التي تسرب أخباراً موضوعة كل يومين، تناشد الناس بالقدوم بزعم أن هناك قوة حركت (ترس) أو تجمعت للفض وأظنه أنه تكتيك لاستدعاء أفواج المناصرين، كلما قل عدد الناس يصنع بواسطة عناصر من الساحة كلما انخفضت الحشود.
طريقة التفكير في التعامل إيجاباً مع الاعتصام على ما حوله من ملاحظات وبعض الأمور المزعجة، والتي للأمانة تتم محاصرتها بوعي الشباب بشكل مستمر ودفع تلقائي، طريقة التفكير هذه من المجلس العسكري اتجاه حكيم ويجهض مساعي أطراف داخلية وخارجية لتحويل الساحة إلى أزمة وبؤرة توتر وأرض زلزالية، إذا اهتزت بأي تصرف حاد مما يوالي هزات ارتدادية فادحة الأضرار والتكاليف، وبهذا وبمثل هذا التعقل، فإن المجلس يزيل هذا الهاجس عن شواغله مع الإبقاء على عين الحراسة اليقظة لتجنب أي توظيف له أغراض غير سلمية، وظني أن للسلطات تدابير وقاية كافية لهذا التعامل الموجب مع ساحة المعتصمين، تحول النقطة لتكون في كفة العسكريين، وتبطل تحويل الحدث لكرت ضغط بل أكثر من هذا، فإني أظن أن العكس قد حدث الآن، إذ انقلب الأمر ليكون عقدة تزداد كل يوم تعقداً لمن هم يديرونه أو صنعوه أو سعوا لتحويله من لافتة مطلبية ليكون فزاعة في وجه الممسكين بأمر تدابير المرحلة، وهو الانقلاب الذي دل على أن المجلس العسكري يظهر أداء في قمة الوعي والنباهة وإدراكاً تفادي به (التكييس)، وهي مفردة معلومة المعنى في ثقافة العسكريين، وتعني التورط أو العلوق في موقف موضوع للإشانة والذم، وهو الأمر الذي فات جملة على من حكموا قبل (11 أبريل)، فلو أنهم بعد محاولتين فاشلتين للفض استدركوا وتجنبوا هذه الورطة، لربما كانت توجهات التاريخ لهم غير ما يكون الآن.
المأمول الان، وقد أمن المعتصمون وصح وقوفهم بلا مهددات ان ينصرفوا بدورهم الى روح تسامح تقلل من بعض التشنج والتصرفات المزعجة، ليتحول المكان الى ساحة لبث الافكار والتداول السياسي والتنويري بروح ديمقراطية سهلة ومنفتحة على كل الاراء والمواقف، الى ان تحسم غرف المشاورات -وليس المفاوضات- الامر بشكل ميسر يراعي مصالح كل الاطراف وقبلهم مصلحة الوطن الكبير.