الآن فقط.. يكتشف كثير من الناس، أن ما يُسمّى بتجمّع المهنيين، وقوى الحرية والتغيير، ما هي إلا بكتريا سياسية داهمَت المشهد العام، وتُحاول تلويث الحياة العامة وسرقة جهد الشباب وثورتهم، وتجييرها لصالح الأجندة الحزبية التي تحرّك عناصرها، فضلاً عن هذا الشَرَه السلطوي الطائش الذي تعبر به هذه المجموعة، هي تُفاوِض من أجل مصالحها لا الصالح العام، وكل ساعة تمر يبينُ لكل ذي عقلٍ أن هذين الكَيانيْن لا يُعبِّران إلا عن تطلّعات وطموحات ومطامع خائبة لمجموعة سياسية ظنّت أن لحظتها السانِحة لوضع السلطة بين أنيابها قد حانت، ولا يهمها أمل الجماهير في التغيير ولا دماء الشهداء التي مهرت الطريق نحو الحرية .
الآن فقط، يكتشف الجميع أن قُبّة التحالُف ليس تحتها شيخ، حتى المجلس العسكري الانتقالي سيكتشف أنه كان يُطارد خيط دخان، لقد كان يُفاوِض شريكاً صُنِع من العدم يقف على قدمين من طين، فها هو تحالف الحرية والتغيير في أول اختبار له يختلف مع بعضه البعض، قبل أن يفطر على بصلة السلطة، ومن ينتظرون ويَتَرجّون فيه بانَ لهُم أن شتيت الأحزاب البائسة المنضوية تحت هذه الراية، لم يكُن يُمثل إلا نفوس أصحابه المتطلّعة إلى كراسي الحُكم فقط، وبعدها فليشرب الجميع من البحر المالح ..
تلِد السياسة السودانية أزماتها، فمن رحم الأحداث العاصفة التي مررنا بها خلال الشهور الماضية، وحدوث التغيير، ولدت السياسة مسخها المشوّه وأزماتها التي لا تنتهي، تتراشق أحزابنا ببياناتها الباهتة ومواقفها المتناقضة، ويتلاعب السياسيون بمشاعر الجماهير المُحتشِدة في ميدان الاعتصام، يُدغدِغون مشاعرها ويلهونها كل ساعة بمواقف مُدّعاة ونضال كذوب صنعوه من خيالات مريضة بزكام السلطة، ويُحاولون استغلال هذه الجماهير وتسخير طاقاتها وصبرها من أجل الوصول فقط إلى الحكم وبعدها سيعملون على تسفيه أحلام الجماهير وتحقيرها، واليسار السوداني وخاصة الحزب الشيوعي هو الأبرع في خداع الجماهير والتحدّث باسمها ثم التنكّر لها، فمن غير الشيوعيين اتُّهِموا بأنهم لصوص الثورات وسارقو عرق الشعب الغاضِب، النشالون لما في جيوب الثورات من أحلام .
أمام المجلس العسكري الانتقالي خيارات مُحدّدة وضئيلة، عليه أن يتعامل مع جميع القوى السياسية السودانية دون استثناء والتخلّي نهائياً عن فهمه السابق باعتبار تحالُف الحرية والتغيير هو الممثل الوحيد للحراك الشعبي أو هو المتحدث الأوحد باسم الاعتصام، فكل القوى السياسية موجودة في ساحة الاعتصام، وأنصبة المساهمة في الثورة نالها كل الموجودين هناك، وبينهم قطاعات لا مُنتمية وغير مُسيّسة لا علاقة لها بالتحزّب والأحزاب وهم الأغلبية الموجودة الآن تنام على الأرصفة ولم تزل تحلم بالتغيير ..
على المجلس العسكري أن لا يسمع لأصوات الموتورين من اليساريين وخاصة الشيوعيين، وأن لا يعير التفاتاً لمزايداتهم المُضخَّمة وصيحاتهم الخرقاء كضجيج البراميل الفارغة والطبول الجوفاء، فهؤلاء يرتدون أزياء تنكُّرية تُخفي وراءها ديكتاتورية شوهاء في تنّورات مدنية، يُريدون سلطة مُطلقة في أربع سنوات بلا مُسوِّغ دستوري أو قانوني أو تفويض شعبي، يريدون سلطة مُطلقة حتى يُشبِعوا رغباتهم المتوحّشة والمحرّمة ليمارسوا أبشع أنواع الحكم، وقد جُرِّبوا من قبل وعرف الناس أي حُكَّامٍ هُم؟ وأي حيّات رقطاء حملت سمها الزّعاف ونَفثتُه في جسد السودان المسكين ..
هم ليسوا على قلب رجل واحد… تترى المعلومات عن خلافاتهم وتسابُق بعضهم في كل ليلة ليعقد صفقته مع المجلس العسكري، أو يقدم طواعية معلومات عن زملائه حتى في وفد التفاوض، هؤلاء لا أخلاق لهم ولا قِيَم، يجلسون معاً يظهرون في واجهة الأحداث وأمام الكاميرات والفضائيات، وإذا خلا بعضهم ببعض أو بالمجلس العسكري، كشفوا العورات وأزاحوا المستور ونزعوا الغطاء عن وجوههم التي ليس فيها مزعة لحم، فهل مثل هؤلاء الذين يخونون بعضهم كل لحظة ودقيقة ولا يثقون في بعضهم البعض.. هل يمكن أن يحكموا وطناً؟ أو يتحكموا في رقاب شعب مثل شعب السودان..؟ فوا عجباً