تقرير – عبد الوهاب أزرق
تعدُّد المكونات المجتمعية بجبال النوبة، اعطى تنوعاً كبيراً في العادات والتقاليد والتنوع الإثني المتداخل والمترابط, أنتج فلكلور وثقافة مجتمع مشبعة بالقيم والمبادئ، رسخت واصبحت علامة وميزة في المجتمع المحلي، ووظفت في خدمة الشرائح المجتمعية الضعيفة كأعلى قيم للتكافل والتعاضد والتعاون والمُساعدة، والسند وإغاثة الملهوف، وتتوزع المساعدة بين الأفراح والأتراح، والتشييد والبناء والإعمار للفرد، والجماعات والمؤسسات وحالة السلم والحرب, النفير يمثل قيمة اجتماعية واقتصادية وتنموية راسخة، مستمد جذوره من تاريخ الأجداد وتماسك المجتمع، ومترابط كتسلسل الجبال الممتدة ويشكل النفير نواة في حياة الريف.
قيم اجتماعية
بأشكاله المتعددة, المك الإداري لقبيلة الدلنج سليمان جبر الدار جوامع يقول لـ(الصيحة), النفير قيمة اجتماعية وظفت للتعاون والتكاتف المجتمعي، كاشفاً عن وجود أنواع للنفير في الأعراس والوفيات والبناء والتكافل الاقتصادي, ويضيف في مواسم الزراعة تتم عمليات النظافة للحشائش – “الحش”، “الكديب” – بالنفير لصاحب الزرع، والزرع المجاور, وتابع في موسم الحصاد تقدم المحاصيل “للكجور” في قمة الجبل، والذي بدوره يجمعها ويقدمها للمساكين، والأيتام والأرامل، كما يساعد بها في زواج الأيتام, وأضاف يوزع المزارعون الصدقات للجيران والأهل، بجانب إخراج الزكاة الشرعية، ويضيف جبر الدار: يكون النفير أيضاً في البناء والتشييد للمباني بالمواد القشية القطاطي والحيشان والرواكيب، لافتاً مع التطور أصبح النفير يكون بدق وحرق الطوب، وبناء وتشييد المباني، ووصف جبر الدار الفزع الأهلي عند التعرض لحالات السرقة والنهب والحرب بنوع من أنواع النفير في إغاثة الملهوف، وذلك باجتماع الشباب ومُطاردة من ارتكب جرائم متعلقة بالسرقة التي غالباً ما تكون للبهائم.
الأفراح والأتراح
وعدّد المك جبر الدار, أشكال المساعدة والتعاون في الأعراس مثل الدفع في الكشف للعريس والمشاركة والمساهمة في تجهيز مستلزمات الزواج داخل الأسرة، والمال الذي يدفع في حناء العريس “الشوبش”، وزاد كما تحظى العروس بالدعم والمساعدة من الأهل لتثبيت البيت, مبيناً عن دفع اصدقاء العريس لمبالغ عقب تناول قدح فطور العريس، بحيث لا يرجع القدح فارغاً، وتوضع المبالغ المجمعة تحت طبق قدح الفطور, والمساعدة في المأتم حصرها جبر الدار في تقديم أهل الزوجة الزيت والسكر والمحاصيل الزراعية في حالة وفاة احد أقارب الزوج، ووصف ذلك بالتكاتف بين الأصهار، لجهة أن أموال الميت أصبحت ورثة، مبيناً عن مساهمة بقية الأهل والمعارف في (كشف العزاء), وأضاف كما توجد “الغمتة” وهو مال بسيط يقدمه الفرد لأهل الميت، أو في حالة المرض والمساعدة العادية, وكشف جبر الدار عن نوع فريد من الدعم يقدم للعجزة بإهداء الصيد من الأرانب ودجاج الوادي عند عودة الصائدين من الصيد.
نفير نادي الشروق
قفزت أسرة نادي الشروق الرياضي الثقافي الاجتماعي بالدلنج بفكرة النفير بتشييد مباني النادي بنفير شعبي مجتمعي عبر قروب واتساب، ويقول الأمين المالي للنفرة الأستاذ قاسم زكريا إبرة: وجد النفير تجاوباً سريعاً من الأقطاب والمشجعين والمحبين والأهل داخل وخارج السودان، فتم إنجاز البناء من غرفتين وقاعة وهول عبر لجنة استقطبت الدعم والمساهمات النقدية والعينية، وتُورد المبالغ بحساب مخصص, لافتاً إلى أن المبالغ قاربت الملياري جنيه غير المواد العينية، وتابع إبرة متبقي العمل يشمل الأرضيات والبياض الداخلي والخارجي، لافتاً إلى توصيل الكهرباء, مناشداً الجميع بتقديم الدعم العيني والنقدي لإنجاز المهمة، ونكون بذلك طبقنا شعار “حنبنيهو”, وعلى نفس النهج تم تأهيل وصيانة مباني نادي فريق الموردة ووصل مجتمع محلية الدلنج بالنفير إلى مراحل متقدمة في تشييد المؤسسات الرياضية والخدمية.
عملية البناء والإعمار
الأستاذ أديب جولي ارقوف أحد المشاركين في نفير بناء الاستاد، عضو اللجنة الحالية لتأهيل الاستاد يقول لـ(الصيحة): يعتبر انسان مدينة الدلنج متفوقاً على كثير من الشعوب في السودان وجعل من عملية النفير كثقافة عنده إلى عملية بناء وإعمار بملاحم شعبية، شملت بناء العديد من البنيات التحتية مثل بناء موقع سوداتل “الكبانية” وبناء مكاتب للبث الأرضي بجبل الدلنج وبناء الاستاد المحلي لكرة القدم بالدلنج في ثمانية وعشرين يوماً كمعجزة، لافتاً إلى توسيع أدوار النفير في تقسيم المجتمع عبر أحياء المدينة المختلفة وتتسابق في الإنجاز اليومي من حيث البناء وكذلك تقديم المأكولات والمشروبات في حماس منقطع النظير، ومشاركة الشباب والطلاب والمرأة والأطفال في لوحة توصف بأنها الأروع في مجال التلاحم والانصهار المجتمعي في مدينة لا تعرف القبلية ولا العنصرية ولا التعصب الحزبي, شعارهم كلنا للدلنج, وأضاف: جولي يأتي هذا النفير لتأهيل استاد السلام بالمدينة من اجل تكملة النواقص في المنشآت من تنجيل واضاءة ومساطب وتكملة المقصورة الرئيسية وعمل مضمار لألعاب القوى لتعود نفس الوجوه من جديد من اجل نهضة شاملة لكل البنيات الأساسية بداية بالاستاد, وبنفس حماس النفير السابق تبدأ المدينة في استقبال نفير اخر متجدد بعظمة انسانها وثقافة نفيرها يظل مجتمع الدلنج رائدا في كل المجالات، والدلنج سودان، مقولة خلدت في الأذهان لجهة تفرد إنسان المدينة.