احمد موسى قريعي يكتب : الإسلام السياسي.. يوميات البارود والدم (2)
جبهة تحرير ماسينا.. العرقية الجهادية في مالي
في العهود الغابرة كانت هنالك إمبراطورية إسلامية بسطت قوتها ونفوذها في الصحراء الأفريقية الكبرى، متمددة وباسطة أجنحتها على مالي والسنغال ونيجيريا. لكن بفعل عوامل الزمن ودورة التاريخ الحتمية تلاشت إمبراطورية “ماسينا” الفولانية، وحل مكانها أحدث تنظيمات الجهاد السياسية “جبهة تحرير ماسينا” التي أخذت من الإمبراطورية اسمها وصفتها فقط، زاعمة أنها تريد إرجاع مجد الإسلام وسيرته الأولى في مالي.
نشأة وتأسيس جبهة ماسينا
ولدت “ماسينا” وأطلقت صرختها الأولى في بداية شهر أبريل سنة 2015، لكنها جاءت نتيجة للصراع بين الحكومة المالية وحركة “تحرير أزواد” التي كانت تضم بالإضافة إلى العرقية الأزوادية مجموعة من مقاتلي الأقلية الفولانية الراغبين في الانفصال عن الدولة المركزية في مالي.
وهذا يعني أن “ماسينا” نشأت وقوي عظمها داخل رحم “حركة أزواد”، ثم لما كبرت واشتد ساعدها انضمت بكامل إراداتها إلى حركة “أنصار الدين” ذات التوجه السلفي الجهادي العرقي. لكنها عندما بلغت “سن الرشد” وأدركت أن حركة “أنصار الدين” قد أضحت فريسة للتدخل الفرنسي الأفريقي بعد تغيير موازين القوى في الإقليم الصحراوي، رأت أن تنشطر عنها مكونة بذلك عملها الجهادي الخاص بها تحت قيادة “أمادو جالو” الخطيب الجهادي المتشدد. مستفيدة من آلاف المقاتلين الفولان الذين كانت حركة أنصار الدين تعتمد عليهم، بالإضافة إلى أبناء أقليتهم الذين يشعرون بالتهميش, الأمر الذي مكنها لاحقًا من القيام بعدة مواجهات مع الجيش المالي. وهكذا نشأت “ماسينا” كأول تنظيم ينتمي لتيارات الإسلام السياسي يقوم على أساس “عرقي ديني” في مالي التي تنتشر فيها التوترات القبلية.
مرتكزات ماسينا الفكرية
لا تبتعد ماسينا في خطها الفكري ولا تحيد عن مرتكزات الحركة الوهابية السعودية، مع حرصها الشديد على وضع نكهتها ومذاقها العرقي الفولاني على “الخلطة الوهابية”. فهي تهدف إلى إحياء القومية الفولانية لكن عن طريق “العرقية الدينية”. وهذا يجعلنا لا نتعشّم أبداً في إصلاح هذه الحركة التي ما زالت ترى أنّ القوة أهم من الحوار، وأنّ كل ما يُخالف الإسلام “كفر وزندقة وإلحاد”.
كل هذا سيؤدي إلى نتائج مفادها أنّ ارتباط “ماسينا” الفكري بالقاعدة في بلاد المغرب، سيشكل الحلقة المفقودة التي كانت تبحث عنها الحركات الجهادية في أفريقيا، وبالتالي يصبح وجودها خطيراً في منطقة الصحراء والساحل، باعتبارها الحاضنة والمنصّة التي ينطلق منها “رصاص” السلفية الوهابية في وسط أفريقيا وربما تطال هجماتها الإرهابية أوروبا. كما أن توجهها العرقي قد يؤدي إلى انتشار ثقافة “الجهاد العرقي” ربما في إقليم دارفور بغربي السودان، وبالتالي تهديد وتمزيق التدين التقليدي الصوفي الذي يميز سكان دارفور.
ماسينا والإرهاب
بمرور الوقت, أصبحت “ماسينا” رقماً جهادياً لا يمكن تجاوزه، فقد انتشرت عسكرياً في كل من موريتانيا والنيجر ومالي وتشاد, إذ بلغ عدد مقاتليها المسلحين ما بين 1000 إلى 4000 مقاتل، تربطهم علاقات تنظيمية وتنسيقية جيدة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.
هذا النفوذ العسكري جعل “ماسينا” تطلب بقوة الانضمام الى حركة بوكو حرام ومبايعتها، وتقتل بدم بارد الشيخ الحاج “سيكو با” أمام عتبة بيته، والسبب لأنه كان من ضمن قائمة الشيوخ المعتدلين الذين يحذرون الشباب المالي من خطورة الانخراط في صفوف الجماعات المالية المتطرفة. كما قامت بمهاجمة قاعدة الجيش المالي في مدينة “نارا” قرب الحدود الموريتانية والسيطرة عليها لعدة ساعات. لكن أقذر وأسوأ أعمالها الإرهابية هو تدمير ضريح الشيخ “سيكو أمادو” مؤسس إمبراطورية ماسينا في عام 1818م، باعتباره ضريحاً يدعو للوثنية والشرك بالله.