حذّرت حمدوك.. سقوط القناع عن أنياب الإدارة الأمريكية
الخرطوم- الطيب محمد خير
هدّدت الإدارة الأمريكية, رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك من فقدان دعمها حال انحيازه إلى جانب الجيش وحل مجلس الوزراء الذي تطالب به مجموعة الميثاق الوطني المعتصمة أمام بوابة القصر, وهو ذات المطلب الذي ظل يتمسك به رئيس المجلس الأعلى للبجا الناظر محمد الأمين تِرِك، الذي يقود هو الآخر اعتصاماً في شرق السودان، وهو ما يُشير صراحة الى أن المجتمع الدولي سينفض عن دعم الانتقال في السودان حال حدوث تغيير لمعادلة الحكم فيه.
وترى الإدارة الأمريكية طبقاً لكبير الباحثين بالمجلس الأطلنطي والمسؤول الأمريكي السابق، كاميرون هدسون ان مستقبل الثورة السودانية في خطر وان السودان يقف على حافة السكين, ولفت كاميرون إلى ان السودان سيظل يعيش في سحابة من عدم اليقين والشك حتى يتمكّن حل معضلاته الأساسية ليكمل الانتقال، الذي قال إنه كان دائماً في خطر حد تعبيره.
واللافت أنها ليست المرة الأولى التي تسقط فيها الإدارة الأمريكية القناع عن موقفها داخل دائرة الصراع بين مكونات الحكومة الانتقالية, إذ سبق أن دفعت قبل شهر بتحذيرات باتجاه مكونات الحكومة الانتقالية, وسبق أن توعّدت بإيقاف المساعدات الثنائية المقدمة للحكومة بما فيها التعاون العسكري والأمني حال الإخلال بالنظام الانتقالي المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، غير أن هذه المرة خصّت بها رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك من اعلانه الصريح في خطابه الأخير لموقفه من الصراع الدائر الذي عبّر عنه بقوله إنه منحاز لجانب الانتقال المدني.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر أن هذه التحذيرات ليست موجهة لرئيس الوزراء حمدوك, وأيضاً ليس معنياً بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان, بل مقصود بها الشعب السوداني صانع الثورة وهو الضامن لها بموجهاتها ومبادئها الدستورية ورؤيته للمستقبل عبرها.
وأشار خاطر في حديث لـ(الصيحة) إلى أن حمدوك واحد من الكثيرين الذين التزموا بالمحافظة على حق الشعب السوداني في العيش الكريم وهذا لا يتم إلا من خلال تحقيق الانتقال للديمقراطية والحرية والحكم الراشد في ظل الحياة المدنية الطبيعية وهي السبيل الوحيد لإنقاذ هذه البلاد من حالة التردي التي هي فيها, والآن العالم تجاوز مرحلة العمل تحت الطاولة بالوسائل الأمنية التي كانت متبعة في النظام البائد وأصبح التعامل بأعلى درجات الشفافية.
وأضاف خاطر أن الشعب السوداني كسب احترام شعوب العالم بمواجهته رصاص الطغيان بصدور عارية, وقدّموا نموذجاً مختلفاً للعالم في دك حصون الطغيان. مُخاطبة حمدوك في هذا الموقف باعتباره يمثل رمزية ضمن منظومة كبيرة وسط الشعب السوداني تؤمن بالتحول الديمقراطي الانتقالي القائم على حُسن إدارة التنوع والحقوق والواجبات والتداول السلمي للسلطة وهذا يعني الإلحاح الدولي, على الشعب السوداني أن يصمد لمواجهة أي مخاطر تهدد المرحلة الانتقالية كنتاج لثورة تعد تجربة إنسانية لها قيمة أثرت على مجريات الأمور والجميع ينظر إليها كآخر مظاهر الشمولية في السودان بوضع رمز النظام البائد في السجن.
وقال الأستاذ بمركز الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية د. عبد الرحمن ابو خريس, إن الوضع الداخلي المتحكم ومؤثر فيه هو الرأي العام السوداني وعلى الجميع عدم الانشغال بما يصدر من أحاديث وتوجيهات من الإدارة الأمريكية, لأن في كثير من الأحيان تكون مبنية على تقديرات خاطئة وغير مدركة لطبيعة الأزمة نفسها, لذلك تجدها مرات تقف ضد المدنيين.
وأضاف د. أبو خريس في حديثه لـ(الصيحة) أنه يرى أنه حال أخذ حمدوك هذا التصريح محمل جد يكون غير مُلمٍ بالسياسة الأمريكية، ومن الحكمة ألا ينشغل الرأي العام ببعض التصريحات التي تصدر من بعض صغار الموظفين في الإدارة الأمريكية والباحثين لأنهم غير صانعين للقرار أو السياسة الخارجية، والسياسة الأمريكية يصنعها الرئيس والبنتاغون, وأهم الأجندات فيها هي الأمن القومي الأمريكي ولا يهم أن يتمتع السودانيون بديمقراطية او تداول الحكم, فقط يفهمون حماية الأمن القومي الأمريكي ولا يقبلون فيه أي تسامح، أما هذا النوع من التصريحات لا تبني عليه أي سياسة وعلى حمدوك ألا يتمسك به ويتوهم أن أمريكا معه أو انقلبت ضده.
وشدد د. أبو خريس, على التنبيه الى أن هؤلاء الباحثين وصغار الموظفين في الإدارة الأمريكية يعملون على تشويش صناعة القرار في دول العالم الثالث بتوجيه من مجموعات الضغط الأمريكية التي تسخرهم للقيام بهذه المهام لتمرير أجندتها وخدمة مصالحها, والشئ المؤسف الحكام وصانعو القرار والسياسة الخارجية في العالم الثالث يهتمون بهذه التصريحات التي يرسلها هؤلاء وهم مخالب لمجموعات الضغط لتوجيه الرأي العام لما تريد، لذلك على الحكومة السودانية أن تستقي معلوماتها من خلال الأجهزة الرسمية للإدارة الأمريكية نفسها، والتي أعلنت مطلع الأسبوع أنها مع الشعب السوداني وتسند التحول الديمقراطي في السودان, وهذا الحديث يشمل الجانبين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية.
وقال د. أبو خريس: أرى إن استمر دعم حمدوك في ظل الوضع الراهن سيكون دعما لعدم الاستقرار في السودان, لأنه يشجع على الانفلات الأمني في السودان بطريقة أشبه بالوضع في جنوب الصحراء في مالي والنيجر وإثيوبيا, لأن هناك مظاهر تمر في الشرق وفي كثير من أنحاء السودان, مبيناً أن حل حمدوك للحكومة الانتقالية لا يعني أنه ألغى الفترة الانتقالية, وفي ذات الوقت أن يفهم أن للجيش في هذه الفترة دورين, الأول شريك في التغيير وإدارة الفترة الانتقالية, والدور الثاني مهني حماية الأمن القومي السوداني, وإن أصبحت حكومة حمدوك مُهدِّدة للأمن القومي السوداني, يُمكن للبرهان أن يصدر قراراً بإلغائها وحفظ توازن البلاد من الانفلات.