كان يشترى كروسة كبريت كاملة ويحتفظ بها وماذا قال لأبو العزائم في الإذاعة؟
كان محمد عبد العزيز داؤود في عامه العشرين عندما توفي والده وهي فترة كفيلة بأن يحفظ ويحتفظ الفتى فيها بالكثير من الذكريات الطيبة عن الوالد, وكيفية تعامله معهم والذي لم يخرج من قالبه الذي صب عليه, فانطبع بخفة الروح وسُرعة البديهة والقدرة على إحالة المواقف الصعبة الى السلسة والطريفة. وفي هذا الحوار يستدعي محمد بعض الذكريات عن والده الراحل الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود…
احكِ لينا عن حياة والدك الاجتماعية؟
بعيداً عن كونه والدي, فأبو داؤود كان زول ظريف وأنا كنت من المُقرّبين له, ولما توفي كان عمري عشرين عاماً وكان تعامله مع الناس بالفطرة ومحبوباً من الجيران ولم يكن مُتعالياً.
متذكر تفاصيل زواجه من والدتك وأين التقى بها؟
والدتي رحمها الله فوزية محمد حسين من مواليد مدينة جوبا وتوفيت بعد الوالد في العام 1995م، التقى بها الوالد في الجنوب عندما كان في رحلة فنية فرآها وأُعجب بها ثم تزوّجها وكانت صغيرة السن, تبلغ من العمر 14 عاماً وهو كان عمره 33 سنة.
قضى أبو داؤود الشطر الأول من حياته في بربر فكيف كانت طفولته وماذا كان يعمل في بداية حياته؟
أبو داؤود من مواليد العام 1930 إلى جانب الفن كان يعمل محولجياً في السكة حديد, تعاقب على المهنة عن جدي محمد داؤود الذي كان يعمل بالسكة حديد ـ وعندما كان صغيراً كان (ألفة) على فصلين لأنه كان شاطراً ولتمتعه بصوتٍ جميلٍ كان يلحن الأناشيد في المدرسة, وكان ينتمي إلى الطريقة القادرية, وكان يستمع إلى التراتيل ويحفظ القرآن الكريم ويستمع إلى أهازيج الصوفية فتفتق عقله وفقاً للبيئة التي تجاوره, فدرس في خلوة الشيخ عبد الصادق وحدث أن ذهبوا هو وزملاؤه إلى مناسبة ختان فأصروا عليه أن يغني ففعل, غير أن رفقاءه وشوا للشيخ عنه فما كان منه إلا أن قام بجلده وطرده.
ثم ماذا حدث بعد ذلك؟
بعدها تكفلت جدتي (خديجة) بالتنازل له عن معاشها وفتحت ليهو بيها دكان, ولأنه لم تكن لديه عقلية تجارية فلم ينجح, بعدها عمل في السكة حديد. وباندلاع الحرب العالمية الثانية زوّدوه بالسلاح ليحارب مع الإنجليز ضد الحلفاء ولم تكن له علاقة بالحرب, هرب مع بعض الفارين وركب القطار متجهاً الى الخرطوم واستقر بها, فسمع شخص يدعى الدرديري وهو من ناس الموردة عن موهبته الفنية واستمع إليه وأُعجب بحلاوة صوته وأصبح يقلد كرومة وسرور, وفي واحدة من الجلسات عرفه ببرعي محمد دفع الله ومن هناك كانت انطلاقته.
أين حل به الرحال بعد وصوله العاصمة؟
كان بيتنا الحالي بالخرطوم بحري حي الدناقلة بناه وترعرعنا فيه أنا وإخوتي (عائدة رحمها الله وكانت تعمل بالتلفزيون القومي ــ داؤود ــ عامرية ــ علاء الدين ـــ عزة وعزام وهما توأم).
ماذا عمل بعد استقراره في الخرطوم؟
عمل (صفيف مطبعة) بمطبعة (ماكو) وهو يوناني أي يجمع الأحرف باللغتين العربي والإنجليزي وهذه الحرفة اندثرت الآن, وكان يعمل معه صديقه صديق الكحلاوي ولما لم تكن هناك دار للفنانين فقد كان يتم حجزه من المطبعة وأصبح كثير الغياب, ولاحظ الخواجة ذلك, وعندما سأل عرف أنه فنان فأصبح لا يخصم منه.
حدثنا عن كبريتة الوالد؟
أخذها الوالد من الفنان زنقار الذي كان يستعملها ليضبط بها الزمن الموسيقي (الإيقاع) فأصبحت الكبريتة ملازمة له داخل وخارج السودان.
هل كان يخصص لها مخبأ خاص ولى (يلفح) أي كبريتة تصادفه؟
كان يشتري كروسة كبريت كاملة ويحتفظ بها. وأذكر مرة أن الأستاذ أبو العزائم الذي كان مديراً للإذاعة في تلك الفترة يجري معه حواراً, فسأله أنت الكبريتة دي أخدتها من زنقار؟ فرد: (لا من الدكان).
مَن مِن الأسرة احترف الفن غير عزة؟
كل الأسرة لديها حس فني, فشقيقي داؤود يعزف, وعندما كان بالدنمارك كان يقدم برنامجاً عن الموسيقى الأفريقية وأحرز المرتبة الأولى في أحد البرامج عن الموسيقى بكوبن هاجن, إلى جانب أنه مخرج وإعلامي ـ أما أنا (الحديث لمحمد) فأغني وأعزف على العود لكن كهاوٍ فقط وفي قعدات العائلة والأصدقاء وبالكبريتة كمان, وكذا الأمر بالنسبة لعزة فهي لا تغني في المناسبات العامة, فقط جلسات الأسرة الى جانب الإذاعة التلفزيون.
مافي فنان طرح عليكم تبني أغاني أبو داؤود؟
كثيرون, لكن نحنا رفضنا وهناك من تخطانا وقام بطبع أغاني الوالد, بل تمادوا في نسبها إليهم دون استشارتنا.
مَن هم أصدقاء الوالد من الفنانين.. وهل ما زالت العلاقة مُمتدة بين الأسر؟
البروف علي المك وأسرة الشاعر برعي محمد دفع الله وأسرة سيد خليفة وعز الدين أحمد المصطفى، الى جانب أسرة العطبراوي الذي كانت تربطه بالوالد عرى صداقة متينة وبدورنا نقوم بزيارتهم في مدينة عطبرة.