عبد الله مسار يكتب : تلفزيون لقمان
التلفزيون السوداني هو وسيلة إعلام مُعتبرة ومُحترمة, وهو مؤسسة وطنية مِلْكٌ لشعب السودان، قامت وتقوم من مال الشعب السوداني ومن مال دافعي الضرائب، وهو مرفق حكومي إدارةً ومنشأةً, ولكن مرفق شعبي ووطني وجماهيري ومِلْكٌ لكل أهل السودان الذي مع الحكومة والذي ضدها، وهو ليس تلفزيون الحرية والتغيير ولا تلفزيون حمدوك ولا تلفزيون وزارة الإعلام!! ولذلك هو تلفزيون عام في برنامجه وهو مِلْكٌ لكل سوداني, يتساوى في ذلك الحاكمون والمعارضون, بل يجب أن يوجد في برنامجه كل الطيف السوداني ولا يحتكر فقط للأحزاب الحاكمة وتجعل منه وسيلة إعلام تحتكر وتمجد فئة من القوى السياسية والاجتماعية والأهلية وتعزل وتجرم وتمنع معارضي الحكومة, ويكون التلفزيون فقط للفئة الحاكمة حكومة وقوى سياسية وتحرم بقية القوى السياسية من أن تكون موجودة في هذا التلفزيون, وأيضاً لا يُمكن أن يكون مكاناً للشتم والاستهزاء بالمؤسسة العسكرية عبر قادتها أو منسوبيها وغير ذلك, بل يجب أن لا يروج ويعمل لصالح مجموعة سياسية محددة.
اعتقد أن التلفزيون السوداني كان مكاناً للرأي والرأي الآخر لفترات طويلة, ولكن تغيّر هذا المنهج بعد ان جاءت حكومة الدكتور حمدوك وجاء معها وزراء من لدن فيصل وحتى الآن, بل صار التلفزيون ذا لون سياسي محدد منذ قيام هذه الحكومة, وأُبعدت عنه كل الأصوات التي تُعارض هذه القوى السياسية. حتى برامجه صارت برامج لا تخدم الوطن ولكنها تخدم التوجُّه السياسي لهذه الحكومة، التي هي في الأصل انتقالية وليست حكومة مُنتخبة، وحتى ولو كانت مُنتخبة لا تملك حق احتكار أجهزة الإعلام وتحولها لخدمة أغراضها على حساب كل أهل السودان!!!
لقد صار التلفزيون يخدم خط اليسار وفي اليسار جماعة محددة, ولذلك صار تلفزيون لونية سياسية محددة ولم يشهد تلفزيون السودان طيلة تاريخه ما يحدث الآن، حيث تحول التلفزيون من تلفزيون السودان الى تلفزيون لقمان وجماعته والذي جيء به من وراء البحار ليخدم خطا سياسيا معلوما, وصار التلفزيون شركة خاصة للنظام الحاكم الآن دون أهل السودان عامة وهم ملاكه وأصحابه، والذين يديرون الدولة الآن عدد يسير ومحدود من الشعب السوداني جاء بهم ميثاق الحرية والتغيير وحتى لم تأت بهم الوثيقة الدستورية، لأنها تتحدث عن حكومة كفاءات وطنية وليست حكومة محاصصات حزبية, ولذلك اعتقد أن أمر الإعلام وأجهزته في دولة السودان يحتاج أن يراجع لتكون هذه الأجهزة عامة الشعب ولا تُحتكر لشخصٍ أو جماعةٍ، بل هي أجهزة السودان وليست أجهزة حكومة السودان ولا أجهزة الأحزاب الحاكمة، يجب أن تعبر عن أهل السودان برامج وتوجهاً وفكراً وأدباً وفناً وغناءً ومدحاً ومسرحاً وتمثيلاً وروايةً وقصصاً، بل خبراً وتعليقاً وتحليلاً، بل حتى رأياً ورأياً آخر ويُشارك أهل السودان جميعاً ويعمل ويخدم كل أهل السودان.
اعتقد أن الأخ لقمان حوّل التلفزيون الى تلفزيون حكومة ونظام وليس تلفزيون وطن وشعب، وأنا أعلم خطورة مثل هذا التوجه والموقف، حيث إنني وزير إعلام سابق أعرف أن الإعلام سلاح قوي لا يقل فتكاً عن الأسلحة التي في يد الجيش والقوات النظامية, بل هو أمضى لأنه يوجه الرأي العام ويعمل ليحقق أهدافاً معينة وخاصة في ظل الوضع الحالي الذي فيه الآن.
طبعاً نحن لم نتحدّث عن الإحالة للصالح العام وقوائم الفصل عبر التفكيك والتمكين, لأنّني أعلم أن عدداً مهولاً من العاملين في الأجهزة الإعلامية من الإذاعة والتلفزيون, بل ومن سونا موظفون في الدولة ليس لديهم لون سياسي وإن كان لا يمارس السياسة داخل هذه المؤسسات والذين جيء بهم كلهم من ألوان سياسية من ذات أحزاب الحكومة الحالية, ولذلك هذا تبديل تمكين بتمكين, وهذا يخالف لوائح الخدمة المدنية ويسيئ الى الوظيفة العامة وقطعاً حيف وظلم اذا أضيف الى ذلك السياسة البرامجية الممارسة في هذه الأجهزة, بل احتكار هذه الأجهزة لصالح الألوان السياسية الحاكمة اليوم ومنع الآخرين.
ولذلك اعتقد أن تلفزيون السودان لم يعد تلفزيون كل أهل السودان، ولكن صار تلفزيون (لقمان) وهذا خطرٌ على الفترة الانتقالية!!!
يجب أن نبعد عن الأجهزة الإعلامية القومية احتكارها لصالح حزب أو أحزاب أو جماعة, يجب أن تكون مِلْكاً لكل أهل السودان ممارسةً وإدارةً وشيوعاً.
أخي لقمان، أنت ابن ريف وابن ألملم وذهبت وعملت في أجهزة إعلام عالمية تتمتع بالاستقلالية والحياد، أرجو أن نراك كما كنت في الأجهزة العالمية التي عملت بها، كن كذلك في أجهزة إعلام السودان من إذاعة وتلفزيون، لأن هذه الأجهزة مر على إدارتها رجالٌ عظامٌ سَجّلهم التاريخ عظماءً في سِجِل العمل الإعلامي في السودان.. أرجو ان تُسجّل منهم.