رسائل حمدوك لشرق السودان.. أكثر من رأي
تقرير: صلاح مختار
خطاب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الذي سبق مسيرة (16) أكتوبر, لم يغفل قضية شرق السودان, مبيناً أنها قضية عادلة تجد جذورها في عقود الإهمال والتهميش التي تراكمت, فجعلته أفقر بقاع البلاد وهو أغناها موارد وإمكانات, وكشف عن اتصالات أثمرت عن الترتيب لمؤتمر عالمي يوفر التمويل اللازم لحزمة مشروعات تخاطب ابعاد التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي عانى منه الإقليم, ودعا كل قوى الشرق السياسية والاجتماعية لمائدة مستديرة نتواصل فيها لترتيبات عملية للتوافق حول القضايا التي أثارت الأزمة الحالية, ودعا إلى فتح الطرق والموانئ واللجوء إلى الحوار مباشرة من أجل أن لا يتضرر أمن البلاد وقوتها وسيادتها ولا تزيد من مُعاناة الشعب, مؤكداً أنهم متمسكون باستكمال الانتقال المدني الديمقراطي وتسليم البلاد لحكومة مُنتخبة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
تباينت مواقف وآراء قوى الشرق حول خطاب حمدوك خاصة دعوته إلى مؤتمر دولي حول تنمية الشرق بجانب الجلوس إلى مائدة مستديرة.
نتيجة عكسية
وقال القيادي بشرق السودان والمحلل السياسي والأمني الفريق عثمان فقراي, إن خطاب رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك خلق نتائج عكسية, خاصّةً بعد بذل قيادات من أبناء الشرق جهوداً كبيرة لتهدئة شباب البجا الغاضب من الحكومة, وأكد ان رسالتهم كانت تدعو الى أهمية الجلوس مع الناس والتنبيه لخطورة الوضع في ظل وجود أجهزة مخابرات أجنبية تصطاد في الماء العكر. ورأي أن خطاب حمدوك نظري. وانتقد حديثه عن مؤتمر عالمي بغرض توفير التمويل لخدمة مشروعات تخاطب أبعاد التهميش, الى جانب دعوته لمائدة مستديرة لكل قوى الشرق للتوافق حول قضايا الإقليم, وأكد لـ(الصيحة) أن الدعوة لمؤتمر عالمي غير ذات جدوى, ولفت الى أن مؤتمر الكويت لتنمية الشرق الذي عُقد من قبل لم يأتِ بجديد إلى الآن, وأضاف كان من باب أولى مناقشة أهل الشرق حول قضاياهم بكلام بسيط بدلاً من الدعوة إلى مؤتمر عالمي لا فائدة منه.
روح التمرد
وحذر فقراي من أن إنسان الشرق فيه روح التمرد ولكن لم يتمرد على المركز رغم الظلم والتهميش منه. ولم يحملوا السلاح كما فعلت بقية الحركات في السودان, وإنما أغلقوا الميناء وبدلاً من أن نتحدّث معهم ندفعهم إلى حمل السلاح. وأشار الى أن شرط أهل الشرق هو إلغاء المسار وهو طلب غير صعب, ولكن بسبب عدد قليل من الناس نترك البلد, وجدد ان خطاب حمدوك جاء بنتائج عكسية ادى الى تقديم مؤتمر البجا طلباً للأمم المتحدة بالحماية والوصاية الدولية لشرق السودان بموانئه بسبب تخلي المركز عنه على حد وصفه. وتساءل فقراي لماذا لا يجمد مسار الشرق لتفادي المشكلات؟ مبيناً أن منطقة الشرق تعج بأجهزة مخابرات خارجية, وبالتالي ما لم تتدارك الحكومة الموقف وتوقف المسار وتجلس مع أهل الشرق سيستمر اغلاق الشرق ويتمدد الى مناطق اخرى. ويرى ان اغلاق الموانئ يتأثر معه اقتصاد البلاد ولذلك من المهم تهدئة الموقف بخطاب ملحق لأهل الشرق وبكلام هادئ, ورأى أن أهل الشرق (زعلانيين), وذكر “نحن ما محتاجين لقرارات ليست في مصلحة البلد وتخلق روح التمرد”، وتوقع ان يكون اكثر شراسةً من الموجود, واضاف يمكن ان يمتد الى ارياب وبقية الموانئ. ورأى ان موقع الميناء استراتيجي لا يمكن تعويضه بأي شكل من الأشكال وسوف يؤثر على مجمل الاقتصاد السوداني. وبالتالي على حمدوك تدارك الموقف الخطير وإلحاق بيان آخر يتدارك فيه الموقف المتأزم في الإقليم يقوم فيه بتجميد مسار الشرق وإعطاء مؤشرات إيجابية, وانتقد مسار جوبا, وقال انه غير دستوري والاتفاق حول المسار كذلك, واكد ان نتائج خطاب حمدوك الأخير أخرجت الأمور من يدنا خاصة بعد تقديم طلب للأمم المتحدة بالوصاية على الشرق وبموانئه, وقال الآن نحن في مأزق وان المعارضة الحقيقية لاهل الشرق في الخارج بإمكانهم فعل ذلك.
الاتّجاه الصحيح
ورأت القيادية بمؤتمر البجا المعارض ستنا محمود أمينة المرأة بالجبهة الثورية ان خطاب حمدوك هو الاتّجاه الصحيح لمخاطبة الأزمة وجذور المشكلة, وقالت لـ(الصيحة) إن أي قضية لا تُحل إلا بالحوار ثم الحوار حتى تحل. واقرت بوجود قضايا حقيقة لاهل الشرق ولذلك دعونا للجلوس ومناقشتها وحلها, واكدت ان اتفاق مسار الشرق فيه حلول طالما جلسنا, ولكن كيف يتم تنفيذها على ارض الواقع بعيداً عن المشاكل, واعتبرت ان القضية والأزمة الحقيقية هو الرفض العنصري للأشخاص في المسار, مما يجعل الموقعين للاتفاق يبتعدون. وقالت بالإمكان الجلوس ومناقشة ما جاء في الاتفاق اذا كان هنالك قُصُورٌ يمكن تداركه وان يطرح كل طرف رؤيته بالأدلة والبراهين في إطار الدولة السودانية الموحدة. وقالت نحن ما (دايرين) الانفصال وإنما في إطار السودان الموحد, ودعت للنأي عن الخلافات العنصرية وإبعاد خطاب الكراهية والقبلية, وشددت على ضرورة الجلوس مع الجميع من اجل تصحيح المسار وإبعاد المرارات.
دراسة الأبعاد
اكثر ما يدور حول ملف الشرق تخوُّف بعض المراقبين من تأثيرها على مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية, وبالتالي يرى البعض ان خطاب حمدوك رغم تميزه ولغته إلا أنه تحاشى الحديث بشكل دقيق حول مسار الشرق, كما تحاشى تشخيص الأزمة في شخص الناظر ترك.
وقال المحلل السياسي د. أبو بكر آدم لـ(الصيحة) إن الأزمة تجاوزت الآن مرحلة التهديد والوعيد ودخلت الى النفق الاقتصادي الذي اصلاً هو مُظلمٌ, وبالتالي كان على حكومة حمدوك النظر الى القضية بشكلها الكلي وليس من طرف او جانب الاتفاق, مبينا ان الاتفاق ليس مقدساً, ومثلما ان الوثيقة الدستورية تم فتحها كان بالإمكان وقف الاتفاق ودراسة الأبعاد الاجتماعية والسياسية والأمنية للقضية, والجلوس مع اصحاب المصلحة الحقيقيين قبل التوجه الى جوبا, وأضاف على الحكومة أن تعيد قراءة المشهد في الشرق, وليس صعباً تجميد المسار لأنه أصلاً مجمدٌ ومعطوبٌ, ويقول آدم إن قضية الشرق أصبحت وطنية وتمس الأمن القومي للدولة, ومن الحكمة التعامل معها بعقلية سياسية مُجرّدة من أيِّ انتماءات