الخرطوم: الصيحة
“لم يعد أمامنا من خيارٍ غير الاستجابة للنداء الذي أطلقه رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بالحوار الجاد والمسؤول حول القضايا التي تقسم قوى الانتقال”, كان هذا حديثاً لمواطن كان بجانبي في الحافلة وهي تمر في وقت مبكر من صباح أمس، من أمام لافتة كبيرة مكتوب عليها “مسيرة السبت من أجل إنهاء هيمنة مجموعة الأربعة” وهي التسمية التي أطلقها القادة المنظمون للمسيرة التي عبّرت فيما يبدو عن عمق الأزمة التي تعيشها البلاد، وكان حمدوك طرح في خطاب وجّهه للشعب مصفوفة من عدة نقاط قال بأنها لازمة لإنهاء حالة الاستقطاب الحاد الذي بات يهدد المرحلة الانتقالية برمتها.
وترقد البلاد منذ، الإعلان عن المحاولة الانقلابية الفاشلة على “حزمة من الأزمات” مُترابطة مع بعضها البعض ومُعلّقة على رقبة “الخلاف السياسي” بين المكونات التي تحكم، لكن تأثيراتها على المواطن فاقت حدّ التحمُّل.
النقطة الفاصلة
ومع ذلك، هناك من يرى أن الأزمة قد وصلت الى “النقطة الفاصلة” وليس لأي من أطرافها مصلحة في أن تخرج عن السيطرة في بلد تعج بالجيوش، وتعيش أزمة اقتصادية خانقة، ومنقسمة على نفسها من أوجه عدّة، وما أن تصل الأزمات الى هذه النقطة حتى تبدأ في التدحرج التدريجي نحو الحل، وأصحاب هذا الرأي يرون أن النقاط التي وردت في خطاب رئيس الوزراء أمس ربما وجدت من يلتقطها، خاصّةً وأنها حَوَت مطالب كل الأطراف، فهو لم يقطع بعدم حل الحكومة وتوسعتها، المطلب الذي ينادي به الشركاء العسكريون، ويجد الدعم من قادة حركات الكفاح المسلح، مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، حاكم اقليم دارفور، وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وزير المالية، ولم يخف دعمه المُطلق للجنة تفكيك النظام السابق، التي تصر عليها قِوى الحرية والتغيير.
صم آذان
وكان حمدوك واضحاً عندما نبّه أطراف الأزمة الى أن البلاد لم تعد تحتمل أن تستمر خلافاتهم عندما قال “إن الخلافات وصلت إلى مرحلة خطيرة وتنذر بشرٍ مُستطيرٍ”, غير أن حديثه ربما لم يجد آذناً صاغية خاصة من مجموعة قاعة الصادقة التي دعت للتظاهرة المليونية السبت، فمجموعة ميثاق التوافق السياسي التي تضم عددا من الاحزاب والقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح أبرزها حركة العدل والمساواة التي يتزعّمها وزير المالية وحركة تحرير السودان التي يقودها حاكم اقليم دارفور مني أركو مناوي, بجانب محمد سيد أحمد الجكومي الذي يقود مسار الشمال الموقع في اتفاقية جوبا وجميعهم يرفعون مطالب حل الحكومة وتوسعة قوى الحرية والتغيير.
تظاهرة
الآلاف يمّموا وسط الخرطوم ومئات الحافلات كانت تنقلهم من أطراف العاصمة الخرطوم, بل ومن خارج ولاية الخرطوم, ما يكشف عن تنظيم دقيق للجهة المنظمة للتظاهرة التي سبقتها دعوات كثيرة للجماهير لتهب لتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية مع تنظيم دقيق لتأجير وسائل مواصلات تقوم بنقل الجماهير من الأحياء لشارع القصر الجمهورية من الناحية الجنوبية المقابلة لحدائق الشهداء, ما جعل الآلاف يصلون دون عناء لساحة القصر خاصة مع إغلاق عناصر من القوات المسلحة لشارع الجامعة عند تقاطع شارع المك نمر وتحويل شرطة المرور لحركة السير إلى شوارع أخرى.
هتافات
الآلاف الذين وصلوا الى ساحة القصر الجنوبية دخلوا في موجات هتاف تُندِّد بحكومة حمدوك وتُطالب بتفويض القوات المسلحة وسط ضربات نحاس العسيلات ونحاس مجلس شورى الجعليين الذي تم جلبه ضمن قافلة سارت من ولاية نهر النيل بالإضافة لرقصات الفرق الشعبية التراثية التي كانت تزرع شارع القصر جيئةً وذهاباً, بينما شكّل أطفال الخلاوي حضوراً لافتاً في التظاهرة.
حضور قيادي
بعد ظهيرة الأمس وصل إلى الساحة، عدد من القيادات الداعين لتوسعة جسم قوى الحرية والتغيير, وصل أولاً رئيس نداء الشمال أبو القاسم برطم, بينما وصل التوم هجو رئيس مسار الوسط, ومحمد سيد أحمد الجكومي رئيس مسار الشمال, ومني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان, ود. جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي, رئيس حركة العدل والمساواة وخاطب عدد من القيادات, المتظاهرين.
تحول
وما أن قاربت الشمس على المغيب إلا وتحولت الدعوة من تظاهرة إلى اعتصام أمام القصر الجمهوري يدعو لإسقاط الحكومة بشقيها المدني والعسكري, ووصلت شاحنة “دفار” تحمل أكثر من 20 خيمة بدأ المتظاهرون إنزالها وتركيبها في المنطقة أمام القصر الجمهوري, وبدأت ترتيبات يبدو أنها معدة مسبقاً لإقامة اعتصام يهدف للضغط على الحكومة لتنفيذ المطالب التي دعت لها مجموعة الميثاق الوطني الداعية لاستكمال مؤسسات الحكم وعودة نقابات العمال وإصلاح شامل يشمل كل مؤسسات الدولة، مشترطة ذهاب الحكومة الحالية.
انخفاض الحضور
مع مرور الوقت والدخول في الفترة المسائية تناقص بشكل كبير عدد الحضور, غير أن الكثير من الشباب بدأوا في التحضير للمبيت في الموقع باستجلاب معينات وإدخالها إلى الخيام التي تم نصبها, فيما كانت بين كل فترة والأخرى تدخل إلى ساحة الاعتصام شاحنة “دفار” تحمل وجبات وفواكه ومياهاً لتوفير البيئة لاستمرار الاعتصام.
غياب الشرطة
ورغم أن التظاهرة أغلقت شوارع رئيسية ووصلت لمواقع استراتيجية مثل القصر الجمهوري ومجلس الوزراء, إلا أن اللافت كان الغياب الكامل لقوات الشرطة عن المشهد, واكتفت عناصر القوات المسلحة أمام القصر الجمهوري بالتواجد على متن سيارات الحراسة المُدرّعة, بينما خالط بعضهم المُعتصمين.