موقف وزيرة الخارجية من عضوية إسرائيل أجندة حزب.. أم ربكة التطبيع؟
تقرير- مريم أبشر
فجّر قبول مفوضية الاتحاد الأفريقي لضم الكيان الصهيوني لعضويته بصفة مراقب، أزمة كبيرة وتبايناً في وجهات النظر وسط الدول الأعضاء, فبينما أيد الخطوة عدد من الدول الافريقية ذات المصالح المشتركة مع إسرائيل, عارضتها دول أخرى لا تقيم علاقات مع تل أبيب حتى الآن.. وفي خضم التباين هذا تناقلت الوسائط المحلية ما يفيد بأن وزيرة خارجية الخرطوم الدكتورة مريم الصادق اعتذرت عن المشاركة في أعمال الدورة العادية التاسعة والثلاثين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي بسبب موقف من مُلابسات الصلة بين اسرائيل والاتحاد الأفريقي حالياً.
غير أن الوزارة أصدرت تعميماً أشارت فيه إلى ان الخارجية كلفت وكيل الوزارة السفير محمد شريف عبد الله لينوب عنها في المجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي وسببت الوزارة في بيانها عدم مشاركة مريم الصادق لارتباطها بمهام داخلية تتعلق بقضايا وطنية ملحة ومهمة، وانها سبق ان كلّفت مسؤولين بالوزارة بمهام خارجية شبيهه، فضلاً عن انها عادت للتو من مشاركة خارجية بالعاصمة الصربية بلغراد، قبل انتهاء المؤتمر بغرض مُواصلة الانخراط والإسهام في معالجة ذات القضايا الوطنية الملحة.
تثبيت موقف:
ورغم تبرير الوزارة لعدم مشاركة الوزيرة في الظرف الراهن نسبة للهَمّ الوطني، إلا أن ذات التوضيح حمل في ثناياه موقف السودان من التطبيع مع اسرائيل رغم الزيارات والآفاق المبدئي الذي وقع بين السودان وإسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب “اتفاق ابراهام”، ولفتت الخارجية الى ان عمل الوزارة يقوم على المؤسسية، وان موقفها واضح إزاء محاولة إعطاء اسرائيل صفة العضو المراقب بالاتحاد الأفريقي، وهو الرفض والاعتراض التام على قرار رئيس المفوضية بمنح صفة العضو المراقب لإسرائيل قبل التشاور مع الدول الاعضاء، الأمر الذي أحدث خلافاً حاداً بين المفوضية والعديد من الدول الأعضاء، واعتبرت الخارجية أن نهج رئيس المفوضية موسى فكي مرفوض ويتعارض مع جوهر مبادئ الاتحاد الأفريقي، ويقدح في روح التعاون والاحترام المتبادل والتوافق التي ظلت ديدن المفوضية في التعامل مع كافة قضايا القارة، وهو ما جعل المنظمة تتبوأ مكاناً مرموقاً ومتقدماً في المنابر الدولية.
ثمار عقدين
اسرائيل من ناحيتها, اعتبرت ما تحققت لها من التواجد داخل الاتحاد الأفريقي تتويجا لجهود عقدين من الزمان, وابانت في بيان أصدرته خارجيتها أن إسرائيل ستنضم مجدداً إلى الاتحاد الأفريقي كدولة بصفة مراقب لتعود مجدداً للقارة بعد ان فقدت هذه الصفة بعد حل منظمة الوحدة الافريقية.
وحسب الأنباء, قدم سفير إسرائيل في أديس أبابا، أليلي أدماسو، أوراق اعتماده كمراقب في الاتحاد الأفريقي إلى رئيس مفوضية الاتحاد، موسى فكي محمد، في مقر المنظمة بأديس أبابا، وفي هذا قال المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو جانور لـ”بي بي سي”، ان بلاده استعادت علاقاتها مع 46 دولة أفريقية من أصل 55 دولة، “وهو الأمر الذي سمح لنا بالدخول في أروقة الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب”.
وبرر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي قبول طلب العضوية لاسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي باستجابته لطلبات تقدمت بها بعض الدول في المنظمة, غير أن مراقبين أشاروا الى ان دخول اسرائيل ربما يؤثر على المواقف الأفريقية الداعمة للقضية الفلسطينية.
سياسية حزب ولكن!
واعتبر خبير دبلوماسي ان رفض مشاركة وزيرة في اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد رغم التبرير الذي علّلت به الوزارة الخطوة, الا انها بشكل او آخر, فإن وزيرة الخارجية طبقت نظام حزبها الرافض للتطبيع مع اسرائيل، غير أن السفير الرشيد أبو شامة رأي ان ابتعاثها لوكيل الخارجية للتمثيل يعد خطوة متوازنة وتصرفا جيدا, واشار الى ان موقف الحكومة من التطبيع مع اسرائيل لم يصل بعد مرحلة الحسم النهائي, ففي الوقت الذي التقى فيه رئيس المجلس الفريق البرهان برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر الوساطة اليوغندية في عنتيبي العام الماضي، رهن رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك الموافقة على التطبيع مع تل أبيب بمصادقة المجلس التشريعي باعتباره الجهة الوحيدة التي لها حق التعبير عن الشعب.
ربكة مواقف
مراقبون اعتبروا موقف مريم الصادق “المنصورة” الرافض لقبول عضوية اسرائيل في الاتحاد الأفريقي وتقريظها لرئيس المفوضية وكذلك محاولات بعض المسؤولين في الحكومة الانتقالية الالتقاء برصفائهم الإسرائيليين خارج نطاق المنظومة الحكومة, يجسِّد حالة الارتباك العام الذي يسود وسط هياكل الدولة من ملف التطبيع. ورأي السفير الطريفي كرمنو أن حكومة حمدوك منقسمة تجاه خطوة التطبيع رغم لقاء عنتيبي وسماح السودان بعبور الطيران الإسرائيلي للاجواء السودانية، الا ان رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك ربط الملف بمصادقة المجلس التشريعي الذي لا يزال موعد تشكيله في رحم الغيب. ويعتقد كرمنو أن “المنصورة” وجدت نفسها في صراع بين مجلسي السيادة والوزراء, فضلاً عن تمسكها بمواقف والدها الراحل الصادق المهدي رئيس حزب الامة السابق الرافضة للتطبيع, وذكر كرمنو أن بيان وزارة الخارجية الأخير الذي اكدت فيه ان اي لقاءات خارجية لم تكن الخارجية طرفاً فيها, فهي غير مسؤولة عن نتائجها, فيه تلميح لبعض اللقاءات التي تمت من وزراء مع مسؤولين اسرائيليين دون علم وزارة الخارجية, واعتبر الخبير الدبلوماسي ما يجري يمثل حالة الارتباك بين مؤسسات الدولة وبعض القوى السياسية بشأن التطبيع, ويعتقد ان المقرر الشرعي لهذا الملف هو البرلمان التشريعي المُنتخب بعد تكوين الحكومة المدنية عبر الانتخاب، لجهة أن من تدير الدولة حالياً أجهزة انتقالية مهمتها تسليم السلطة لأجهزة منتخبة بإرادة شعبية حقيقية لها الحق في التقرير بشأن ما تُريد.