التطبيع مع إسرائيل.. سياسة العصا والجزرة في العلاقات الأمريكية السودانية
تقرير: الطيب محمد خير
كشف تقرير أوردته هيئة البث الإسرائيلية (كان 11), عن ضغوط تمارسها الولايات المتحدة على الخرطوم للتوقيع رسمياً على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع تل أبيب, واستكمال خطوات التطبيع التي بدأها قبل عام في إطار اتفاقيات أبراهام للتطبيع التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
وتبرر الولايات المتحدة الأمريكية, ضغطها على الخرطوم أنها ظلت تنتظر عاما كاملا أن يحدث تقدم حقيقي في ملف تطبيع العلاقات الذي قدمت في خلاله مساعدات كبيرة لإعادة السودان للتعامل مع المجتمع الدولي, بجانب استثمارها لأموال طائلة في السودان, وذلك باعتراف وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم الذي قال في مقابلة مع قناة الجزيرة (إن خطوة التقارب مع إسرائيل نجم عنها رفع السودان من قائمة الإرهاب والاستفادة من البرامج التمويلية للمؤسسات المالية الدولية المانحة).
وترى الولايات المتحدة ان الخلافات المتصاعدة بين المكونين العسكري والمدني في مجلس السيادة حول مسألة التطبيع ما أدت لتعطيل التوقيع على الاتفاق الرسمي والاعلان النهائي لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب.
وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو خلال زيارته للخرطوم, قد وضع طلب تطبيع العلاقات مع إسرائيل بطريقة مباشرة على طاولة رئيس الوزراء حمدوك وكان رده أن الحكومة الانتقالية لا تملك تفويضاً يتعدى مهامها المحددة في استكمال عملية الانتقال بتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولًا إلى قيام انتخابات حرة وليس من مهامها التقرير بشأن التطبيع مع إسرائيل, غير أن مجلس الوزراء الذي يقوده حمدوك كان قد اصدر قراراً في ابريل الماضي بإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل, لكنه لم يدخل حيِّز التنفيذ لحين الموافقة عليه من المجلس التشريعي الانتقالي الذي يُواجه اجتماعاته عقبات كبيرة بسبب الخلافات المتصاعدة بين مكونات قوى الفترة الانتقالية.
ويرى مراقبون أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يبدو منزعجًا من فشله في تطوير عملية الاختراق التي أحدثها سلفه ترمب في ملف تطيبع العلاقات السودانية الإسرائيلية رغم المحفزات التي قدمتها ادارته بضخ اموال للاستثمار في السودان وتحفيز المؤسسات الدولية لدعم الحكومة الانتقالية, غير ان ملف تطبيع العلاقة بين الخرطوم وتل ابيب ظل يواجه عقبات كبيرة تعترض طريق استكماله, خَاصّةً الصراعات التي تصاعدت بين شركاء الفترة الانتقالية العسكريين والمدنيين, ما حدا بالادارة الأمريكية لإرسال إشارات تحذيرية للطرفين بالكف عن تصعيد الخلاف الذي قالت إنه يضر بمصالحها في المنطقة, وتوعّدت الإدارة الأمريكية بإيقاف المساعدات الثنائية المقدمة للحكومة بما فيها التعاون العسكري والأمني.
ولم تتوقّف محاولات الرئيس بايدن في تقديم المحفزات للجانب المدني في الحكومة الانتقالية خاصة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لفك جمود ملف التطبيع من خلال الاهتمام المُباشر من الرئيس الأمريكي بملفات دعم الانتقال الديمقراطي في السودان بقيادة مدنية كمحفز لتنشيط ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية, رغم رهن حمدوك التوقيع على الإعلان النهائي على اتفاق التطبيع بموافقة المجلس التشريعي الانتقالي باعتباره الجهة المنوط بها المصادقة عليه، ويظهر هذا التحفيز من خلال الدعوة التي قدمها الرئيس بايدن في سبتمبر الماضي لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك للقائه في مقر الرئاسة الأمريكية في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن، ولا تزال الدعوة قائمة بعد تعثرها بسبب انشغال الإدارة الأمريكية بتطور الأحداث في افغانستان وينتظر رئيس الوزراء تسلم الدعوة الرسمية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.
قال د. عبد الرحمن أبو خريس الأستاذ بالمركز الدبلوماسي بوزارة الخارجية “علينا أن نضع في الاعتبار أن الإدارة الأمريكية قائمة على المؤسسات، لذلك هذا الضغط الذي تمارسه أمريكا لإكمال ملف تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية ليس متأثراً بشخص الرئيس الموجود على رأس الإدارة في أمريكا لأن عملية أن يطبع السودان مع إسرائيل أمر مفروغ، وكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا متفقان عليها كسياسة خارجية طالما أنه يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة”.
وأشار د. أبو خريس أن عملية التراخي التي شهدها ملف التطبيع في عهد بايدن لا تعني أنه أغلق والآن تحريك هذا الملف بالضغط على السودان لاستكماله، واضح أن اللوبي اليهودي في الإدارة الأمريكية بدأ يعمل في هذا الاتجاه, وهو لوبٍ له ثقله السياسي والعسكري داخل الإدارة الأمريكية وقادرة على تكييف أي رئيس أمريكي لصالح خدمة إسرائيل وواضح أنه الآن يعمل في اتجاه إكمال صفقة التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب, وفي المقابل على بايدن الاستجابة لمثل هذه المطالب ليضمن عدم معارضته في ملفات السياسة الداخلية ويكسب تأييد هذا اللوبي المؤثر .
وأضاف د. أبو خريس, لذلك علينا كسودانيين أن نفهم أن التطبيع جزء من السياسية الأمريكية الخارجية لكسب الدول المقاطعة لإسرائيل, وفك العزلة المطروبة عليها كواحدة من السياسة الخارجية لأمريكا في المنطقة, لأنه يساعدها في السيطرة على هذه الدول وتوجيه الرأي العام العربي والإسلام في المنطقة ويخفف من الصرف على العمل الأمني والاستخباراتي الذي تنفقه أمريكا لمراقبة المنطقة .
من جانبه, استبعد الخبير في العلاقات الدولية والسفير السابق د. الرشيد أبو شامة أن يكون لقضية السودان بُعدٌ شعبيٌّ داخل أمريكا حتى يسعى الرئيس بايدن لرفع شعبيته من خلالها.
وأضاف أبو شامة أن التطبيع بين السودان وإسرائيل عملية استراتيجية من قِبل أمريكا في المنطقة وأهمية السودان كموقع وما يحويه من أهمية استراتيجية, لذلك تجد الإدارة الأمريكية ماضية فيها بقوة لإيصالها لغايتها ولن يتغّير الموقف تجاهها, لكن العثرة التي تواجهها الانقسام الذي تم حولها وسط القوى السياسية السودانية التي تمثل الجانب المدني في الحكومة الانتقالية, بينما الجانب العسكري أبدى مرونة في تأييده للتطبيع.
وأشار أبو شامة إلى الإشكالية الوحيدة للأمريكان مع الجانب المدني في الحكومة الانتقالية مُعارضته للتطبيع, رغم أنهم يرغبون في تمكين الحكم المدني والتحول الديمقراطي في السودان بقوة, لذلك واضحٌ أن الدعوة التي وجّهها الرئيس جو بايدن لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك لزيارة أمريكا لأجل إقناعه باستكمال ملف التطبيع وإن تم هذا لن تكون هناك أي إشكالية لأمريكا في مساندتها للشق المدني في الحكومة الانتقالية, عندها ستتجه بكل ثقلها لتأييده رغم أن الجانب العسكري يؤيد التطبيع مع إسرائيل.