سميرة دنيا!!
قلت من قبل وذكرت أنني عشت وتعايشت مع عدد من الشعراء الكبار وربطتني بهم علاقات جميلة وودودة حتى انها تحولت لعلاقة اجتماعية وأسرية.. وأذكر هنا تحديداً أستاذي الجميل الشاعر الراحل سعد الدين إبراهيم الذي اعتبره بمثابة الوالد الحنون.. وهو كذلك.. إنسان رقيق.. ولطيف المعشر.. الطيبة تملأ جوانحه.. كان يعيش ببساطة لا يعرف التكلف في المعاملة الإنسانية.. وهو بالنسبة لي نموذج للشاعر الإنسان الذي لا يعرف العداء ولا حتى المجاهرة بالخصام.
وسعد الدين إبراهيم.. هو النموذج الصحفي والإنساني الذي اقتدي به.. وهو كثيراً ما كان يسدي لي النصائح المهمة التي كان لها تأثيرها المباشرة في حياتي.. وأذكر أنني ذات مرة انتقدت شاعرا كبيرا وقلت بأنه فقد وسامة كلماته القديمة وأصبح يتخبط ويكتب (شعرا خاليا من القيمة الإبداعية) لا علاقة له بالشعر.. وسعد الدين حينما قرأ مقالي ذاك.. قال لي يجب أن توجه نقدك نحو الشباب وليس الشيوخ من الشعراء والمبدعين.. لأن نقد تجارب الشباب يضيف لهم ويمكنهم أن يستفيدوا منه بعكس الشيوخ الذين توقفت تجربتهم.
كانت نصيحة غالية من سعد الدين إبراهيم اهتدي بها دائماً حينما أحاول توجيه النقد لأي مبدع.. ولعل نصيحة سعد الدين تذكرتها قبل فترة حينما طالعت مقالاً للحبيب هيثم كابو بعنوان (خوف سميرة دنيا) وهو ينتقد الفنانة (العادية) سميرة دنيا ويطرز لها الكلمات البديعة والأنيقة.. وهو في تقديري (عطاء من يملك لمن لا يستحق).. أقول ذلك رغم أنني لست مسؤولاً عن تحديد أفضلية الفنانين بحسب الأهواء والمزاج الشخصي.. وأعلم كذلك أن الشعب السوداني لم يسلمني تفويضاً كاملاً لأحدد له مَن يسمع أو مَن يحب من الفنانين.
ولكن يدرك كابو كما يدرك الكثيرون أن سميرة دنيا بأنها أصبحت فنانة (دقة قديمة) لأنها لم تطور تجربتها التي تحنطت وتوقفت في محطة واحدة لم تتحرك منها, وهي التي بدأت الغناء منذ أزمان بعيدة جداً ولكنها لم تضف جديداً من حيث الأداء الصوتي.. فهي سميرة نفسها (المقلدة) و(المرددة) لأغنيات الآخرين.. فهي فشلت حتى في فرض أغنية واحدة تخصها.
سميرة دنيا من عينة الفنانين الذين جرى عليهم الانطباع السلبي مثل ياسر تمتام الذي اشتهر بترديد أغاني الحقيبة حتى أصبح سجله الغنائي فقيراً من أي أغنية يمكن أن يوصف بها.. وهو في هذا لا يختلف عن (المقلد) أحمد بركات الذي اشتهر أيضاً بترديد أغاني الراحل أحمد المصطفى.. والنماذج كثيرة لا تحصى ولا تعد من النماذج التي تشابه سميرة دنيا من حيث فقرها من الأغنيات الخاصة.
رحم الله الأستاذ الكبير عثمان حسين والذي اتخذ قراراً سليماً بتقديري حينما رفض أن تردد سميرة دنيا أغنياته.. والرجل كان كبيراً بمثل قراره فهو كان محقاً ومصيباً، لأن سميرة تغنى أغنياته بنوع من البرود القاتل الذي ينتهي من متعتها وجماليتها.. وسميرة دنيا كما معروف عنها لا تنفعل مع الأغنيات وهي في حالة جمود دائم ولا تملك الحيوية.
سميرة دنيا لم يمض عليها (نصف الزمن) بل انها أهدرت (كل الزمن) في ترديد أغاني الراحل عثمان حسين حتى أنه أوقفها في يوم من الأيام من ترديد أغنياته بعد أن لاحظ (لهثها) غير المبرر لترديد أغنياته وفتورها وبرودها القاتل في أداء الأغنيات.. ولعل الراحل عثمان حسين كان محقاً فيما ذهب إليه.. وهو بذلك أسدى لها نصيحة غالية ولكنها لم تتفهم أبعاد الرسالة وظلت في مكانها لم تتقدم ولا خطوة.