– محمد عثمان الرضى يكتب : القرار الخاطئ
أجهزة المخابرات على مستوى دول العالم تلعب أدوارا مفصلية في حماية الدول من المخاطر الداخلية والخارجية وتشكل السياج القوي والمتين في توفير الحماية للوطن والمواطنين في شتى ضروب حياتهم اليومية.
وكل ما كان جهاز المخابرات قوياً ويمتلك كوادر بشرية مدربة ومؤهلة ويُحظى باهتمام عال من قبل قيادة الدولة, دلالة واضحة على أن هذه الدولة على قدر عال من المسؤولية وتسير بخُطىً حثيثة نحو الأمان والاطمئنان وتُحظى باحترام وتقدير رعاياها داخل الوطن وخارجه.
السودان قُطرٌ مترامي الأطراف, ويمتلك إمكانيات اقتصادية مهولة قد لا تتوافر لأي دولة في العالم, بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي المُميّز, إلى جانب التنوع الإثني والقبلي, فكل هذه الميزات الإيجابية تضعه أمام حملات الاستهداف الإقليمية والدولية ويكون عرضة لأصحاب المطامع.
تحجيم دور جهاز المخابرات العامة فقط في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها لمتخذي القرار يعتبر انتقاصاً كبيراً لجهاز عُرف بمواقفه البطولية تجاه حماية الوطن ولعب دوراً كبيراً جداً في التصدي للمخاطر المحدقة بالبلاد التي لا يعرفها الكثيرون حتى مَن يجلسون على كراسي السلطة.
هنالك بعض الممارسات الخاطئة لبعض منسوبي جهاز المخابرات العامة في الإفراط في استخدام القوة ونتج عن ذلك ارتكاب جرائم جنائية ضد بعض المواطنين داخل المعتقلات, وهذه بمثابة سلوكيات فردية يتم التعامل معها وفقاً للقانون عبر منصات العدالة, وهذا لا يعني أنّ كل أفراد جهاز المخابرات العامة سيئون والتعميم مخل جدًا وغير منصف وفيه تجن كبير على حقوق الآخرين وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال بتبني حملات عدائية تجاه منسوبي هذه المنظومة الأمنية من أجل كسر شوكتها وإظهارها بمظهر العدو الشرس.
الفراغ الذي أحدثه غياب جهاز المخابرات العامة في خلال الفترة الماضية نتج عنه العديد من الاختراقات الأمنية, وأصبح السودان مرتعا خصبا لكل أجهزة المخابرات العالمية تصول وتجول وتعيث فساداً وتنخر في جسد الوطن المثخن بالجراح وخير دليل على ذلك الخلايا الإرهابية التي أصبحت مهدداً أمنياً يؤرق مضاجع المواطنين والحكومة.
كل الدول المتقدمة والمتطورة تمتلك أجهزة مخابرات قوية حشدت لها كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية بغرض حماية مصالحها الداخلية والخارجية وما يتم رصده من ميزانيات مالية ضخمة لهذه الأجهزة مكنها تماماً للقيام بدورها على أكمل وجه.
لا بد من إعادة النظر في القرار الذي اتخذته الدولة بتحجيم دور جهاز المخابرات العامة, وأن يتم النظر للأمر من بوابة المصالح الوطنية العليا والابتعاد عن النظرة الحزبية الضيِّقة التي لا تخدم الوطن بل تقوده إلى الوراء.
تزول الأنظمة الحزبية التي تحكم البلاد طال زمنها أم قصر, ولكن يبقى جهاز المخابرات العامة لحماية الدولة وليس الأنظمة السياسية التي تجلس على كراسي الحكم, فشَتّان ما بين حماية الدولة وحماية الحكومة, والدولة باقية والحكومة زائلة.
13000 الف جندي من منسوبي هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة صرفت عليهم الدولة مليارات الدولارات في تدريبهم وتأهيلهم على أحدث الخطط القتالية المتقدمة, فبمجرد التفكير في التفريط فيهم كان بمثابة كارثة غير مسبوقة وندفع الثمن الباهظ اليوم بما تشهده البلاد من حالة السيولة الأمنية التي أصبحت من السمات المميزة للواقع السوداني.
السودان أحوج ما يكون اليوم قبل الغد في العدول من هذا القرار المُجحف في حق هؤلاء الأبطال الأشاوس من منسوبي جهاز المخابرات العامة, ولا بد من إعادة سلطاتهم وصلاحياتهم كاملة, وقطعاً سنلاحظ الفرق على أرض الواقع, وبعودتهم يعم الأمن والأمان والاستقرار, ويكون فعلاً السودان دولة ذات سيادة.