تقرير- صلاح مختار
جدلٌ كثيفٌ واستقطابٌ حادٌ يدور بين قوى الحرية والتغيير (المكون المدني) بشأن توسعة الحاضنة السياسية للائتلاف الحاكم, وفي الوقت الذي يجري فيه رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك, مُشاورات واسعة للوصول إلى ذلك, جدد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير رغبته في توسيع قاعدة الحرية والتغيير بضم كل قوى الثورة صاحبة المصلحة في التحول الديمقراطي, ورحب بالجهود التي يبذلها رئيس الوزراء في هذا الاتّجاه, بما في ذلك اتصالاته بحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان, غير أن الموضوع يفتح الباب أمام طرح سؤال على حساب مَن تتم التوسعة هل بزيادة المقاعد أم بتنازل القوى المشاركة في الحكومة عن مقاعدها وإعادة توزيع نسب المشاركة سواء في الحكومة أو المجلس التشريعي وتغيير المعادلة السياسية؟ أم الدعوة كما يراها البعض كلمة حق أُريد بها باطل؟
حل الحكومة
سبق أن جدد رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، الحرص على التوصُّل لتوافق وطني وتوسيع قاعدة المشاركة (في الحكم)، بإشراك كل القوى الثورية والوطنية، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول, وأكد أنه “لا حل للوضع الراهن إلا بحل الحكومة الحالية وتوسيع قاعدة مشاركة الأحزاب السياسية بالحكم”.
تحصين المسار
في 22 يونيو الماضي, أطلق رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، مبادرة من أجل (تحصين) المسار الديمقراطي في البلاد، وقال حمدوك إنه شرع في إجراء لقاءات ومُشاورات واسعة مع قيادات السلطة الانتقالية والقوى السياسية والمدنية وقوى (ثورة ديسمبر) التي أطاحت بالبشير، وذلك بخُصُوص تطوير مبادرات تهدف لتوحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام الشامل، وتحصين الانتقال الديمقراطي وتوسيع قاعدته وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.
استقطاب سياسي
ومنحى الاستقطاب بشأن توسعة الحاضنة السياسية تجاوزت, قوى الحرية والتغيير بشكلها القديم إلى (تيار الميثاق الوطني) بقوى إعلان الحرية والتغيير، حول توسيع قاعدة المشاركة في الحكومة الانتقالية والتمسُّك بالشراكة مع المكون العسكري. ويرى ممثلون عن القوى والحركات الموقعة على (الميثاق الوطني) خلال مؤتمر صحفي, وطرح المشاركون في المؤتمر مسودة (مشروع التوافق الوطني لوحدة قوى الحرية والتغيير) لكل مكونات الائتلاف الحاكم الأخرى وبقية القوى السياسية، ما عدا “المؤتمر الوطني” الحزب الحاكم سابقاً.
وقال رئيس حركة (العدل والمساواة)، أحد قيادات تيار الميثاق الوطني، جبريل إبراهيم: (نحن في الحرية والتغيير ندعو إلى وفاق وطني شامل وتوسعة قاعدة المُشاركة في حكومة الفترة الانتقالية).
مخرج وحل
وأبدى عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني كمال كرار, تحفظه بشأن الحديث عن ما دار في اجتماع حمدوك باللجنة المركزية باعتبار أنهم غير مشاركين فيه, بيد أنه قال لا الهيكلة أو التوسعة في الحاضنة تمثل مخرجاً للأزمة. وقال لـ(الصيحة) الحل يكمن في معالجة أسباب الأزمة, وأضاف: الحاضنة قبل ان تتم هيكلتها كانت قد انحرفت من اهداف الثورة بجانب وجود ازمة المكون العسكري على المشهد السياسي باسم الشراكة, ورأى أن هنالك اسباباً لا تعالجها الهيكلة وان ما يجري الآن ما هو إلا محاصصات أضرّت بالفترة الانتقالية, متهماً بعض الأحزاب السعي وراء تلك المحاصصات. وقطع بأن المَخرج من الأزمة إزاحة المكونين من المشهد السياسي واستبدالهم بآخرين من قوى الثورة, قادرين لقيادة الدولة, بيد انه عاد وقال الذي يرجى الآن لا يعدو ضرباً من ضروب المحاصصة تمكن للأزمة الحالية.
هيكلة جديدة
ويرى احد قيادات الحرية والتغيير طلب عدم ذكر اسمه لـ(الصيحة), أن العدد الكبير من قوى الثورة والقوى الحية غير موجودة على أرض الواقع, وقال هنالك قوى كثيرة غير موجودة منها لجان المقاومة, وأرجع الفشل في الوقت السابق الى ذلك, واكد ان توسعة قوى الحرية والتغيير ليس معناه ان تأتي بآخرين, ولكن ان يكون ذلك من خلال البرامج وفي إطار الهيكلة جديدة أن تقوم بتطبيق أهداف الثورة والوثيقة الدستورية وتغذية الحاضنة من المكون المدني, وقال إن القوى التي عملت الثورة غير موجودة الآن, وأنها اختزلت في عدد محدود (حزب حزبين أربعة أحزاب) فقط, وهي أحزاب استأثرت بالسلطة والثروة, ما أدت للوصول الى تلك المشاكل. وبالتالي كانت هنالك دعوات الى وحدة القوى الثورية وتوسعتها في المرحلة المقبلة والمحافظة عليها.
ظلال سالبة
وقال القيادي في (الحرية والتغيير) مجدي عبد القيوم (هذا الخلاف ألقى بظلاله السالبة على جميع أوجه عمل الحكومة, وتابع لـ”القدس العربي” (هناك اتفاقٌ عامٌ داخل المجموعتين على ضرورة الإصلاح وتوسعة قاعدة الحرية والتغيير، بجانب اتفاق في كلتا المجموعتين على ضرورة إنهاء سيطرة أو اختطاف ثلاثة أحزاب فقط لاسم الحرية والتغيير، دُوناً عن الآخرين، وسيطرتهم على القرار والتعيينات في الحكومة، وهي البعث العربي والتجمُّع الاتحادي والمؤتمر السوداني، وهناك اتفاقٌ عامٌ لإنهاء هذا الاختطاف والاستفراد بالقرار). وأوضح (لكن الاختلاف هو في المنهج وآلية الإصلاح، حيث نلحظ أنّ المجموعة الأولى التي يقودها مناوي والبعث السوداني قيادة يحيى الحسين، ومن معهم من أحزاب، يريدون توسعة قاعدة التغيير بإضافة الإسلاميين والمُصالحة معهم، وإعادتهم للحياة السياسية، إما بإدخال مجموعات منهم في المؤتمر العام للحرية والتغيير أو المُصالحة السياسية معهم).
هندسة الحكم
الدعوة إلى توسعة الحاضنة السياسية ربما قُصد منها قطع الطريق أمام التيار الآخر في قوى الحرية والتغيير المنصة التأسيسية التي تنشط في إطار التوقيع النهائي على الجسم لتغيير المعادلة السياسية.
ويقول المحلل السياسي د. أبو بكر آدم إن توسيع الائتلاف الحاكم كان مطلبا منذ قيام الثورة لوجود عدة لأسباب تساقط القوى التي قامت بالثورة, ما ادى إلى انتقادات توجه للحكومة ومطالبتها بتوسعة المشاركة, وقال لـ(الصيحة) ربما ان القضية ليست في توسعة المشاركة بقدر أن الحديث عنها سيقود بالضرورة إلى تأجيل إعلان المجلس التشريعي لإعادة ترتيب النسب المخصصة أو المحددة حسب الوثيقة وينسحب بالضرورة على إعادة تشكيل الحكومة, ويرى أن المعالجات التي تطرح الآن غير كافية لاعادة هندسة الحكم في السودان في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي يمر بها البلاد ووجود أطراف أخرى مازالت لم تلتحق بعملية السلام, لذلك من المهم وحدة قوى الثورة في مُواجهة المد الكبير للأزمات. وقال لا يمكن الحديث عن ذلك في ظل وجود مكونات تدّعي كل منها أنها صاحبة الحق في الثورة, مِمّا يفتح الباب أمام اتّجاهات قد لا ترضي القوى الثورية, بقدر ما ترضي القوى المستفيدة من التشتت السياسي لقوى الثورة.