القيادي بمجلس الصحوة الثورية السوداني مهدي عبد الله حامد لـ(الصيحة):
ثلاثة سيناريوهات مُحتملة إزاء الوضع الراهن
خروجنا من قوى الحرية والتغيير ليس عبثاً
الحكومة فشلت في صنع السلام والاستقرار وانتهت بمحاصصات
لدينا قيادت داخل المعتقلات أبرزها السافنا نُطالب بإطلاق سراحهم
الوثيقة الدستورية تم تقويضها من صانعيها أنفسهم
التراشق الإعلامي له تأثير سلبي في مستقبل الشراكة بين المكونين العسكري والمدني
مجلس الصحوة سيواصل التصعيد الثوري السلمي
حوار: فاطمة علي سعيد
لا يعبر التشظي والانسقامات داخل حكومة الفترة الانتقالية، بأي حال من الأحوال عن مبادئ أو شعارات وأهداف ثورة ديسمبر التي دفع مهرها شباب بدمائهم لإزالة القهر والظلم والتهميش والخروج من ظلمات الغبن والإقصاء, بيد ان الحكومة لم تدرك حجم التحديات الجِسام التي تمر بها البلاد والتي تتطلب من الجميع استشعار المهددات والتسامي فوق الحزبية والأيديولوجية وتحمُّل المسؤولية الوطنية لعبور منعطفات وتعرجات الانتقال والى التحول الديمقراطي والخروج بالبلاد الى بر الأمان.
وفي ظل لملمة الوطن وتضميد جراحاته للتعافي من اجل وحدة وتوافق مكونات قوى الثورة والعودة لمنصة التأسيس، أعلن مجلس الصحوة الثوري السوداني الذي يتزعم رئاسته الشيخ موسى هلال, الخروج نهائياً من إعلان ميثاق الحرية والتغيير الموقع.
(الصيحة) استنطقت أمين أمانة التنظيم والإدارة بمجلس الصحوة الثوري السوداني مهدي عبد الله حامد, وطرحت عليه العديد من الأسئلة عن الراهن السياسي الحالي وكيفية الخروج من ذلك المأزق.
أين يقف مجلس الصحوة الثوري بعد خروج الشيخ موسى هلال؟
خرج الشيخ موسى هلال رئيس مجلس الصحوة الثوري من المعتقل مرفوع الرأس وسط استقبال تاريخي مهيب بعد أنْ قام بدفع ضريبة نضال باهظة وشاقة وتقديم عمل ثوري خلاق ساهم بوضوح في إسقاط النظام البائد برفقة الآخرين, وهذه الخطوة زادت من رصيده السياسي التراكمي وعطائه المتعاظم في سبيل الوطن وشعبنا المعلم.
ما هو موقفكم من الراهن السياسي؟
أما بخصوص السؤال حول موقفنا من الراهن السياسي, فإنَّنا نقف في مقدمة القوى الوطنية الثورية الحادبة على تحقيق قضايا الجماهير الكلية, كما أنَّنا صادقون في إعلاء المصلحة الوطنية العليا فوق أيَّ اعتبار سواها, وحريصون على العمل الساعي لضمان سلاسة الانتقال والتحول من نظامٍ ديكتاتوريٍ مُستبد إلى نظامٍ ديمقراطي تعدديٍ وتحول يستوجب استشراف الأُطر والرؤى المستقبلية القادرة على تغيير المنظومة البائدة بمنظومة بديلة بما يعيد الاعتبار للعمل السياسي الجاد ويوجه بوصلته في الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية وهدم السائد من ممارسات حزبية متزمتة وتقديم الناجح من الحلول والبدائل الناجعة لها في كافة الأصعدة.
لماذا أعلنتم الخروج نهائياً من ميثاق إعلان قوى الحرية والتغيير؟
لم يكن خروجنا الرسمي والنهائي من قوى إعلان الحرية والتغيير عبثاً أو بمحض الصدفة, وإنما بعد أن توصلنا إلى قناعة تامة بعدم جدوى من هذا الجسم وعدم إبداء الرغبة منه في هيكلته ليكون وضعه مثلما كان في يناير 2019م حتى يستطيع القيام والعبور بالبلاد, وبعد تشخيص عميق استمر زهاء العامين بالتشريح الوافي شمل كافة الجوانب السلبية والإيجابية لمكونات وأطراف قوى الحرية والتغيير ومعرفة مدى عدم صدقيتها تجاه التغيير الحقيقي وقد أظهرت تنصلها الصريح عن التزاماتها الواردة في مقررات ميثاق الثورة ونقضها للوثيقة الدستورية غير المتبصرة التي نصت على تشكيل حكومة الثورة من الكفاءات المستقلة “التكنوقراط” وليس من قادة الأحزاب وهذا يعتبر انحرافا واضحا عن ما تواثقنا عليه مع جماهير الشعب السُّوداني حول مبادئ الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة عطفاً على انتهاج الحرية والتغيير لنسق المحاصصات والتمكين الحزبي واختطافها للثورة وسرقتها لمجهودات الآخرين, ولذلك قرر المكتب القيادي الأعلى لمجلس الصحوة الثوري موقفه التاريخي الحاسم والحازم بناءً على واجب المسؤولية الأخلاقية والتاريخية الملقاة على عاتقه وإيفاءً للعهد الذي قطعناه على نفسه مع مجاميع الشعب السوداني بالانحياز له ولقضاياه وهمومه والوقوف بجانبه في جميع المحطات والمراحل.
هل أعلنتم الحرب؟
منذُ سقوط النظام البائد وحتى الآن لم نقم بأيَّ عمل عسكري مسلح التزاما مِنَّا بسلمية ثورة ديسمبر وبالمقابل لم نضع السلاح بعد ولم نتوصل إلى أيَّ تفاهمات مع أيَّ جهة حكومية بخصوص وقف اطلاق النار, وبالأساس نحن ضمن حركات الكفاح المسلح والخيارات أمامنا مفتوحة, ولكننا ننوي حلا سلميا شاملا ينهي أسباب الحرب للأبد ويساهم في استقرار السُّودان إذا ما توفرت الإرادة السياسيِّة لدى الطرف الآخر وبالمقابل نحن مستمرون في تدريب قواتنا وتطويرها وتحديث آلياتها باستمرار تحفزاً لأيَّ تحدٍ يواجهنا في أي لحظة جراء فعلنا السياسي.
ذكرت في بيان مواصلة النضال الثوري, كيف يكون نضالاً سلمياً؟
في الأساس مجلس الصحوة الثوري تنظيم سياسي ثوري قومي وحدوي, يُعنى بالتغيير الشامل في بنية الحكم بالدولة السُّودانية وهذه المعطيات توضح نوعية أعمالنا ونشاطنا وهو العمل السياسي الجماهيري المدني والكفاح الثوري المسلح وهذا ما نعني به مواصلة النضال الثوري الذي وجد مشروعيته مؤخرًا في الوثيقة الدستورية نفسها, وأعتقد أن دعوتنا لمواصلة النضال الثوري تعني التصعيد.
الاوضاع في البلاد تنذر بمخاطر قادمة كيف تُقيِّمون الوضع؟
الوطن يقف على المحك في ظل سيولة أمنية بالغة التهديد مع تدهور اقتصادي مريع وأزمة سياسية خانقة قادت إلى رفع وتيرة التصعيد الاجتماعي المطلبي والمستحق في كافة ربوع البلاد رغم كل ذلك لم تلُح في الأفق حتى الآن أيَّ بارقة أمل لحل سياسي سحري يعالج هذه الأزمات, وهذا الأمر وضع الثورة على مفترق طرق أمام محدودية فرص الانتقال والمآل المجهول الذي ينتظر مستقبل التحول حيال التوابع الناجمة عن الوضع السياسي السوداني المحتقن والمشحون بشتى إيقاعات التناحر وعدم الانسجام والصراعات متعددة الاتجاهات, وفي تقديرنا هذا الأمر يصعب التكهن بوصول البلاد إلى بر الأمان.
وإزاء هذا الأمر نتوقع واحدا من ثلاثة سيناريوهات محتملة وهي أمر وارد جداً, تجدد الحراك الثوري للتصحيح أو حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة من كفاءات غير حزبية أو انهيار الدولة إذا لم تتحسّن إدارتها للأفضل وتتغيّر حياة المواطن بصورة إيجابية وتختفي مظاهر الفوضى والفساد السائد الذي تعج به مؤسسات الدولة.
وهل لديكم رؤية للخروج من هذا الوضع المُزري خاصة بعد سقوط النظام وثورة ديسمبر والسلام؟
في العام ٢٠١٤م, طرح مجلس الصحوة الثوري رؤية حول قضايا السلام بمعانيه المتعددة, منها السلام السياسي والسلام الاجتماعي والتعايش السلمي المشترك وقضية الأراضي والمصالحات الاجتماعية ولكنها وقتئذٍ لم ترق للمعزول عمر البشير الذي قام بحملة مسعورة ضد مجلس الصحوة الثوري ورئيسه الشيخ موسى هلال انتهت بمقتل العشرات واعتقال المئات من قادتنا ومنسوبينا وحتى الآن يوجد منهم كثيرون داخل المعتقلات أبرزهم الجنرال السافنا ونطالب بإطلاق سراحه فوراً.
وايضاً يوم أمس الأحد العاشر من اكتوبر الجاري, أصدرنا بيانا ضافيا وقلنا سنطرح رؤية وطنية شاملة ومستقلة خلال الأيام القريبة القادمة, وإن أبرز ما يأتي فيها يتمحور حول معالجة الأزمة السياسية والأمنية وقضايا نظام الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة القوات النظامية وقومية الخدمة المدنية ومبدأ فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية, وتقديم الرؤية الاقتصادية والسلم الاجتماعي والتعايش والسلام السياسي الشامل بمعانيه المختلفة, وكذا العلاقات الخارجية والتعددية السياسية وتصور مبسط لقانون الأحزاب الذي يضبط ويقنن أعمالها, وكذلك حددت رؤيتنا إن قضايا الدستور الدائم وعلاقة الدين بالدولة والهوية محلها المؤتمر الدستوري القومي الجامع.
صراعات حكومة الفترة الانتقالية والتراشق الإعلامي التي تدور الآن كيف ترون ذلك وهل يقود البلاد لبر الأمان ولتحول ديمقراطي؟
سبق وقلنا بأن الصراع الدائر الآن بين الأطراف الحاكمة ليس له أدنى علاقة بقضايا الجماهير وهمومها المتمثلة في تحقيق الأمن وتوفير سبل العيش الكريم والعلاج والتعليم وغيرها من الضروريات والحاجات الأساسية, وإنما هي صراعات سياسية بحتة قائمة على أساس الاستحواذ على المزيد من المكاسب السيادية والوزارية وتوسعة النفوذ داخل مؤسسات الدولة المختلفة.
أما فيما يتعلق بتصاعد وتيرة التصريحات المتسارعة بالوعيد والتهديد هنا وهناك, لعمري هذا الأمر غير مقبول البتة ويجوز لنا تسميته بالتراشق الإعلامي عالي المستوى, ونعتقد بأن له تأثيرات محتملة في مستقبل شراكة العسكريين المتمرسين مع بعض الناشطين من الأجسام التي ظهرت مؤخرًا وبرزت معها تمظهرات الطفو الموسمي وهي من العلامات الفارقة في عملية سرقة الثورة وتحريفها عن مسارها الحقيقي, وفي تقديرنا ما لم تلتئم الجراحات النازفة وتتوفّر الإرادة الوطنية الخالصة للتوصل إلى سلام شامل حقيقي ومستحق يضمن مشاركة كافة القوى الثورية في القرار الوطني لن تستقر الدولة السُّودانية أبدًا ولم تنته المخاوف المحتملة من تجدد الاقتتال الأهلي أكثر من أي وقتٍ مضى.
المواطن له قضايا خاصة في دارفور التي شهدت حروبات؟
المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة هي دارفور والشرق وكردفان والنيل الأزرق وهي تعاني من آثار وإفرازات الحرب التي هدمت البنى التحتية المتواضعة الموجودة سابقاً مع نزوح ولجوء الملايين وكذلك النازحين بفضل الطبيعة من العرب الرُّحّل بالإضافة إلى القضايا الأساسية التي من أجلها قامت الثورات المسلحة, كل هذه الأوضاع تحتاج إلى أولوية قصوى وإمكانيات تفوق مقدرة البلاد في الوقت الراهن, ولكن يستحيل معالجة هذه الأمور ما لم يتم إنهاء أسباب الحرب للأبد والجلوس مع الأطراف التي ما زالت حاملة السلاح في وجه الظلم.
وفي الجانب الآخر, هناك الآثار السالبة على المواطن في مناطق النزاع وهي تحتاج إلى حنكة قادة الكفاح المسلح وحكمة قادة الإدارة الأهلية وإمكانيات المنظمات العالمية التي تعمل في مجال تسوية النزاعات ودعم السلم المجتمعي وغيره من الموضوعات والمجالات ذات الصلة.
تعديلات الوثيقة الدستورية كيف ذلك؟
المثير للدهشة في أمر الوثيقة الدستورية يتمثل فيما ورد من اعترافات وتصريحات القيادي الكبير في الحزب الذي يمثل أقوى الأطراف الحاكمة, حينما قال هناك أشخاص قلة غيّروا في نسخة الوثيقة الدستورية الأصلية وهذا القول لوحده كافٍ ويؤكد تقويضها بواسطة صانعيها أنفسهم, وعليه فإن السودان محكوم بالنسخة المزيفة وليست الأصلية.
ولكن في الفقه الدستوري يجوز وضع بنود بداخل الوثيقة الدستورية تتضمن تعديلها بطرق متفق عليها تأتي في إطار المصلحة الوطنية العليا سواء كان المضاف إليها اتفاق سلام سياسي أو إنشاء مؤسسات خاصة بالدولة بعلم وتوافق الجميع وليس خلسةً وفي الغرف المظلمة.
مسودة مشروع الوفاق الوطني لوحدة قوى الحرية طالب باستكمال السلام, فهل نتوقع فتح منبر تفاوض مع مجلس الصحوة الثوري باعتباره جسما ثوريا خارج العملية السلمية؟
مجلس الصحوة الثوري يمتلك من القوة والجيوش تتفوق على الكثيرين ويسعى إلي الحل السلمي المُتفاوض عليه وفي نفس الوقت لن نجلس إلا في منبر معترف به دولياً.
ولكن من حيث المبدأ, نحن نرحب بكافة المساعي الجادة والمبادرات الصادقة المطروحة من الذين يعرفون معاني الحرب ويبحثون عن تحقيق السلام في البلاد, وفي اعتقادنا أنَّ الأزمة السودانية وقضية الحرب والسلام لا تُحل بالطرق التي تم تجريبها من قبل وأثبتت فشلها في صنع السلام والاستقرار وغالبًا ما تنتهي إلى وظائف ومحاصصات, وبالمقابل تظل الأزمة ماثلة دون حلول حقيقية, وفي تقديرنا الحل السليم للأزمة يكمن في إقامة مؤتمر قومي للسلام بشرط أن يكون بمشاركة كافة قوى الكفاح المسلح الرافضة لتسويات التجزئة.
ما موقف المجلس من قضية شرق السودان, خَاصّةً أنّ إغلاق الميناء تسبب في مشكلة اقتصادية كيف ترون هذه القضية؟
أصدرنا عدة بيانات صحفية وتصريحات متتالية داعمة للحراك المطلبي الذي تقوده تنسيقية شرق السودان ومنبر البطانة الحُر وأكدنا بوضوح على عدالة قضايا ومشروعية مطالب الشرق المظلوم تاريخياً, ومن هنا نجدد مواقفنا المعلنة والثابتة بالتضامن معهم, وفي ذات الوقت نحترم الخيارات الثورية التي اتخذوها في التصعيد الجاري الآن.
أما بخصوص الأضرار الناجمة عن إغلاق الميناء أعتقد بأنها لا تساوي حجم المعاناة التي عاشها الأطفال والشيوخ والنساء طوال الفترة من العام ١٩٥٦م إلى يومنا هذا.
وفي تقديرنا الضرر ليس في عملية إغلاق الميناء فحسب, وانما الضرر الحقيقي يتمثل في سياسة العقلية المركزية التي لا تنظر للسودان أبعد من الخرطوم وقد أهملت مناطق كثيرة من ضمنها الشرق وأوصلته لهذا الواقع المزري مع إرث المظالم, فهذه الأوضاع تستوجب النظر إلى قضيته بجدية سيما مع تعالي الأصوات المنادية بحق تقرير المصير الذي يمثل التحدي الحقيقي, ولذا لا سبيل آخر سوى السماع لهذه المطالب والسرعة للاستجابة على تلبيتها خاصة الخدمية والتنموية منها, مع كفالة ضمان مشاركتهم الفعلية في مواقع اتخاذ القرار السيادي الوطني وبقية مفاصل الدولة بعدالة وقومية.
البعض يرى ان اعلان قوى الحرية والتغيير الجديد يقف وراءه ما يسمون بالفلول؟
لم نجلس معهم في أيَّ اجتماع ولا يحق لنا تحديد خياراتهم الخاصة بهم, ولذلك لا يمكننا بأنْ ننفي أو نؤكد، وبالمقابل من حق كل جهة أن تتحالف مع من تشاء ومتى ما تريد وكيف ما تشاء طالما هي مؤسسات مستقلة بذاتها, إلا إننا في مجلس الصحوة الثوري نرفض بشدَّة الجلوس أو الاصطفاف مع النظام البائد وفلوله ولم ولن يكون.
هل لا يزال لديكم أعضاء معتقلون لدى الحكومة؟
بالفعل.. وهنا نكرر المطالبة بإطلاق سراح القيادي بمجلس الصحوة الثوري الجنرال علي زرق الله “السافنا” وكافة المعتقلين وأسرى الحرب, وفي ذات الوقت نحن ندرك حجم التحديات الجسام التي تمر بها البلاد وصعوبة المرحلة المفصلية وهذا الأمر يتطلّب من الجميع استشعار هذه المهددات والتسامي فوق الصغائر والضغائن الحزبية والأيديولوجية وتحمُّل المسؤولية الوطنية والأخلاقية والتاريخية والإنسانية والعمل لعبور منعطفات وتعرجات الانتقال والتحول حتى لا تعود البلاد إلى عهود الشموليات والاستبداد مُجَدّداً.