نائب رئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي صلاح أبو السرة لــ”الصيحة”: ما يحدث صراع مصالح بين قوى سياسية صعدت الحكم فاقدة للتأهيل والتوافق السياسي
المطبق مجموعة برامج مرتبطة بمؤسسات دولية لتكسير بنية المجتمع السوداني القديم
لا يحق لأي مجموعة ادّعاء ملكية الثورة دون الآخرين
حمدوك قدم مشروعاً ضعيفاً لاحتواء الأزمة
القوى التي وقّعت على اتفاق السلام غالبيتها “ما فاهمة الحاصل شنو”
وصف نائب رئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي للشؤون السياسية صلاح أبو السرة, ما يدور في الساحة السياسية بأنه صراع مصالح بين قوى سياسية صعدت للحكم واختطفت السلطة وهي فاقدة للتأهيل والتوافق السياسي بينها, مضيفًا أن هذه القوى تصارع لأجل تنفيذ برامج أكبر من حجمها وطموحها الخرافي على حد تعبيره, وقال في حوار مع “الصيحة”، إن برنامج ما يسمى (بمستقبل التغيير في السودان) وهي حزمة برامج مُرتبطة بمؤسسات دولية تُديرها منظمات اجتماعية, قدّمت هذه المشروعات ودسّت سم هدفها في المشروع الديمقراطي لتكسير بنية المجتمع السوداني القديم.
وقال أبو السرة ضمن إفاداته, إن هناك فهماً خاطئاً للنصيب الممنوح باتفاق السلام في السلطة, قُصد منه تضييق الخناق على الجبهة الثورية بخلق عداءٍ بينها وبين الأهالي في الأقاليم بأنه نصيب الإقليم وليس الجبهة الثورية, هذا وغيره من الإفادات….
حوار: الطيب محمد خير
ما تقييمك للصراع الدائر بين مكونات الحاضنة السياسية والحكومة؟
– هذا صراع مصالح بين قوى سياسية صعدت للحكم مُختطفة للسلطة وهي فاقدة للتأهيل والتوافق السياسي بينها, أدخلها في نزاع وتشاكس حول قسمة السلطة المختطفة من الشعب أو انها ممنوحة لها كما تدعي, فقط لأن الحرية والتغيير كانت مسيطرة على المنصة الرئيسية في ساحة الاعتصام, وانها تعبر في خطبها عن قوى الثورة, واعتبرت الجماهير المعتصمة مؤيدة لها، حتى تكشفت الحقيقة بعجز هذه القوى عن تقديم البديل، وبالتالي انفضت الجماهير التي كانت تُساندهم في الشارع وهذا واضحٌ في عدم الاستجابة لمُحاولة هذه القِوى في استخدام الشارع لكبح طموح الآخرين، تراخي الشارع في الاستجابة لنداء (هبوا) تجيب على سؤال هل في الشارع مَن يُساند قوى الحرية والتغيير ولا مافي.
– هل حقيقة الصراع تُديره قوى خفية رافضة للتغيير خارج المكونين المدني والعسكري كما يقول حمدوك؟
لا أعرف على ماذا بنى حمدوك هذه الفرضية, لكن هناك ازمة حقيقية في مشروع التغيير، واضحٌ أن القوى التي تقود التغيير تصارع لتنفذ في برنامج ما يسمى (بمستقبل التغيير في السودان), وهي مجموعة برامج مرتبطة بمؤسسات دولية تُديرها منظمات اجتماعية قدّمت هذه المشروعات, دسّت سم هدفها في المشروع الديمقراطي لتكسير بنية المجتمع السوداني القديم, وهذا واضحٌ من المشروعات المطروحة الآن للتحول الديمقراطي.
-هل يُمكن اعتبار هذا محور الصراع الدائر الآن بين المكونين المدني والعسكرى؟
أساسيات الصراع القائم الآن بين القوى الموجودة في الفعل السوداني صراع اجتماعي, لذلك برز السعي بشدة للسيطرة على مفاصل الدولة حتى تتوفر المقدرة للقوى المنفذة لهذه البرامج أن تفعل ما تُريد, لكن هذه المشروعات لا يمكن أن تنفذ في السودان ولن يتم توافقٌ حولها, لأن كل فصيل “شايت” في اتجاه معاكس للآخر, والآن كل المشهد غير مرئي وكثير من خفايا الصراع مطروحة لتُدار تحت الطاولة.
-إلى أيِّ مدىً يُمكن أن تنجح هذه القوى في مسعاها؟
هذه القوى تصارع لأجل تنفيذ برامج أكبر من حجمها وطموحها الخرافي الذي نراه الآن، لذلك تحاول إبعاد القوى التقليدية سواء كانت إدارة أهلية أو أحزابا, وتعمل على تكسير البنية الاجتماعية القديمة في سبيل خلق تمرُّد وسط الشباب بكل هوياتهم على كل ماه و قديم, لذلك تلاحظ هناك كثيرا من البرامج والمشروعات مرتبطة بقوانين دولية منافية لأخلاق وقيم وسلوكيات المجتمع السوداني المُحافظ، في أوروبا وأمريكا توجد قيم مجتمعية مقدسة لا يُمكن المساس بها عكس ذلك, الآن عندنا “في ناس شَغّالين في تحطيم المجتمع وبمعاونة آخرين”.
-كيف ترى رفض شراكة المكون العسكري؟
الجيش شريكٌ أساسيٌّ والقوى المدنية اعترفت به في البداية، المكون العسكري له دورٌ في التغيير الذي تَمّ, وبعد ما صعد للسلطة كيف تأتي الآن لتقول (ببساطة كتِّر خيركم عليكم أن تذهبوا), الآن هناك من يقول لا نُريد الجيش وهو مؤسسة دولة, فلا يُمكن تُلغى مؤسسة سيادية بكاملها وتعزل أفرادها تحت غطاء إعادة الهيكلة, هذا فيه انتقاصٌ من سيادة المؤسسة العسكرية التي هي سيادة الدولة نفسها، والعسكريون الآن يصارعون للحفاظ على مؤسسات للدولة وتثبيت أركانها والحفاظ على تماسُكها, خاصةً في جانب الأمن في فترة تسمى انتقالية رغم انهم غير معنيين بالمشروع المدني.
-ما هي رؤيتك للاتهامات المُتبادلة في الساحة السياسية باختطاف الثورة؟
الحديث عن اختطاف الثورة سببه أن قوى التغيير غير منظمة, صعدت على حساب الجماهير التي خرجت في ديسمبر وهي ليست جماهير الأحزاب, ولا يحق لأي مجموعة ادّعاء ملكية الثورة دون الآخرين, “وبعضها لا يصل عدد جماهيره لركاب بص واحد خليك من ان يملأ قطر عطبرة”، ثم إن هذا الشعب خلال فترة الثورة كان غير مُنظّم وليست لديه طليعة ثورية مرتبط بها, وبالتالي أي قوة جاهلة وغير مُؤهّلة لقيادة البلد يُمكن أن تصعد وتحكم وتتخبّط كما حدث في أكتوبر (64) وفي أبريل (86)، والآن ذات الأزمة موجودة, لأن نظام الحكم مُختلٌ ولن ينعدل الحال طالما هناك قوى مُهيمنة ومُسيطرة وليست مُتأثرة بالتغيير, لأن نظام الحكم المتسبب في الأزمة موجودٌ.
-ما الحل الأنسب للخروج من التعقيدات؟
هذا لا يَتَغَيّر إلا بمؤتمر قومي دستوري لمناقشة الأزمة القائمة الآن في السودان عامة لوضع حلٍّ لها ويتوافق الناس على نظام حكم مجمع عليه, لكن لو سقطت ألف مرة لن يَتَغَيّر شَئٌ طالما الأزمة مرتبطة بنظام الحكم في السودان, وبالتالي يجب تغيير نظام الحكم وليس الأشخاص الحاكمين، لأن هذه ليست ازمة الأقاليم, يعني الأزمة ليست قاصرة على دارفور ولا الشرق وحتى المنطقتين, لأننا بهذه الرؤية القاصرة فصلنا الجنوب عندما اعتبرنا الأزمة في الجنوب لكنها لم تنتهِ بعد ذهابه.
هَل مُبادرة حَمدوك صَالحة لِاحتواء الصِّراع؟
بالعكس مبادرة حمدوك هي التي فجّرت الصراع وأخرجته للعلن عندما تحدث صراحةً عن الصراع داخل القوى المدنية وداخل المكون العسكري وبين العسكريين والمدنيين.
-ما المطلوب أن يفعله في هذا الموقف؟
حمدوك لديه صلاحيات كرئيس وزراء وليس ناشطاً سياسياً حتى يقدم مُبادرة, فهو يملك سلطة وصلاحية حل الحكومة والحد الأدنى يصدر قرارا يعيد به الأمور لنصابها, لكن أن يُقدِّم مُبادرة هذا خطأ!!
-نفهم أن حمدوك انحرف عن موقعه في الساحة السياسية بهذه المبادرة؟
ممكن نقول قدم مشروعاً ضعيفاً لاحتواء الأزمة وكان بإمكانه أن يقُود الساحة كرئيس وزراء بأفضل من تقديم مُبادرة.
-لعله لا يُريد تخطي حاضنته السياسية؟
حمدوك اعترف بعدم وجود توافق داخل قوى الحرية والتغيير, يبقى ما في حاضنة سياسية بسبب عدم التوافق, لذلك عندما طرح مشروع الاتفاق من مبادرته, حَدَثَ انقسامٌ بين مكونات الحاضنة السياسية.
-هل اتفاق جوبا شاملٌ لحلول المشكلات في السودان كما وَصَفَ؟
لا يُمكن أن نصفه بالاتفاق الشامل في السودان, لأن هناك إشكالات نتجت عنه، بالتالي السودان لن تُحل مشكلاته في أقاليمه، وما تم في جوبا والخرطوم حل للمشكلة مع الجبهة الثورية.
-ما سبب الإشكالات التي نجمت عن اتفاق السلام؟
وهناك فهمٌ خاطئٌ للنصيب الممنوح بأنه نصيب الإقليم وليس الجبهة الثورية، قُصد منها تضييق الخناق عليها بخلق عداء بينها وبين الأهالي في الأقاليم الذين جهروا بأن الجبهة الثورية, لا تمثلهم وحقيقة الجبهة الثورية لا تمثلهم وهذه المناصب مُنحت للجبهة الثورية باتفاق مع المركز الذي قاومته بالسِّلاح, والآن ممثلو الجبهة الثورية في السلطة ليسوا ممثلين للأقاليم.
-أنتم مُمثلون لمَن في السُّلطة الآن؟
نحن لا نمثل شعب دارفور باعتبار أننا غير مُنتخبين من قبلهم وبالتالي لا نمثلهم, وما حصلنا عليه بالاتفاقية هو نصيب الجبهة الثورية في السلطة, وبالتالي الجبهة الثورية أخذت نصيبها في السلطة بالمركز والولايات ولسنا ممثلين لدارفور, والمفاوضات التي جرت لم تكن مع الإقليم ولا قومية, وانما مع الجبهة الثورية التي أعطت سلطاتها لممثليها, وبالتالي الفهم الخطأ للاتفاق تسبب في غضب الأقاليم والاحتجاج بأنها مُنحت سلطات أقل من نصيبها, والحقيقة هؤلاء ممثلون للجبهة الثورية في الأقاليم وهذا الاتفاق مع الجبهة وليس مع القوى الاجتماعية في هذه الأقاليم.
-كيف لا يمثلون هذه الأقاليم في السلطة وكانوا يحاربون باسمها ويرفعون مطالبها؟
هناك أزمة حقيقية, سببها أن القوى التي وقّعت على اتفاق السلام “غالبيتها ما فاهمة الحاصل شنو”, والحقيقة إن قوى الحرية والتغيير أعطت شركاءها في الجبهة الثورية نسبة في المناصب سواء في الحكومة المركزية أو الأقاليم، سواء في دارفور أو الوسط أو الشرق, فأصبح ممثلو الجبهة الثورية الذين ذهبوا لحكم الأقاليم ذهبوا بنصيب الجبهة الثورية ولم يذهبوا كممثلين للأقاليم في السلطة، لذلك جهر الأهالي في الأقاليم برفضهم لممثلي الجبهة الثورية بأنهم لا يمثلونهم ولم يُفوِّضوهم بالحديث عنهم في طاولة التفاوض بجوبا، وهذا الرفض تمدد في كل المناطق بذات المسببات، “حتى ناس دارفور الاخذوا (70%) السواد الأعظم منهم من يرى أن السلطة التي نالوها جاءت بمكونات اجتماعية مُحَدّدَ,ة يعني السلطة التي نالوها استأثرت بها إثنية معينة ما حقتهم كلهم” عموما التفاوض الذي تم في جوبا قدم طرح مفهوم خاطئ.
-يعني الاحتجاج الذي نشهده بسبب اتفاق جوبا معركة من غير مُعترك؟
السُّلطات التي مُنحت للموقعين على اتفاق السلام من قبل السلطة المركزية هي عبارة عن نصيب الجبهة الثورية وليست خاصة بالأقاليم المعنية, ويجب أن نُفرِّق بين ممثلي الجبهة الثورية والأقاليم, لكن الناس متوهمون أن ما مُنح هو نصيبهم في السلطة كمكونات مجتمعية في الأقاليم, والحقيقة هو نصيب الجبهة الثورية، “يعني مافي سلطات منحت لهذه الأقاليم”، والذين تولّوا المناصب هم مُمثلو الجبهة الثورية التي بكل مُكوِّناتها لا تمثل كل سكان الأقاليم ولا يوجد إجماعٌ على أن حركات الكفاح المسلح مُمثلةً للأقاليم, لأنها لا تضم كل المكونات الاجتماعية في الإقليم المعني، وعدم الوضوح في هذا الجانب خلق اشكالات في الوسط واحتجاجات في الشرق.
-لكن فُهم بأنّه صراعٌ إثنيٌّ؟
الصراع ليس صراعاً اجتماعياً, وإنما صراعٌ سياسيٌّ تقوده قوة اجتماعية تُصارع في السُّلطة وتستخدم القبيلة كأداة لتحقيق مصالحها.
-من أين يتم الصرف على منسوبي الحركات في المعسكرات؟
طبعاً تم الاتفاق في جوبا على توفير (100) مليون دولار لترتيب الأوضاع لممثلي الحركات المرتبطين تنظيميًا من السياسيين والجيش الذين كانوا في المعسكرات وخارج السودان، لكن المبلغ الذي دُفع لم يتجاوز المليون دولار وهذا ما جعل الحركات لا تتمكن من إعداد كشوفات حصر منسوبيها, لأنها لا تملك الإمكانيات لذلك، لكن الإسراع والشروع في الترتيبات الأمنية ضرورة مُلحة لحصر وتقنين وجود هذه القوات والسلاح الذي بطرفها.
-ما فرص نجاح مناوي حاكماً لدارفور؟
لا أعتقد أنه يستطيع القيام بأي مهام أو عمل لعدم وجود قانون يوضح حدود سلطاته كحاكم للإقليم، مناوي موجود في هذا المنصب بتكليف وليست له مهام محددة كحاكم إقليم.
لكن مناوي يتعامل كحاكم إقليم كامل السلطات؟
ما يحرك مناوي رغبة منه أن يقدم شيئاً وبدأ في محاولة عمل بعض الأشياء حسب رؤيته, لكن ما يقوم به ليس له سند قانوني وهذا بسبب تأخير السند القانوني لمناوي كحاكم إقليم لعدم قيام مؤتمر الحكم الإقليمي المنصوص عليه في اتفاق جوبا ونص على قيامه خلال ستة أشهر من التوقيع, وبموجبه يتم تحديد شكل سلطة الولايات إقليمية أم ولائية, كل هذا ظل دون توصيف قانوني له.
-ما تفسيرك للإشكالات والانفلاتات المُتكرِّرة التي حدثت في دارفور رغم توقيع السَّلام؟
الإشكالات الماثلة الآن والتي يمكن أن تُفجِّر الوضع أكثر, سببها أن هناك طرفا أساسيا في القضية غائبٌ أو مغيبٌ عن عمد في مقابل القوى المكونة للجبهة الثورية التي لا تمثل كل القوى الاجتماعية في دارفور، فقد اُستبعدت مكونات اجتماعية أساسية غير موجودة في اتفاق السلام لأنها ليست جزءا من الجبهة الثورية أو وجودها كان ضعيفاً في طاولة الاتفاق, والذين تولوا السلطة بذات فهم المحاصصة أو “المخاسسة” التي مُورست حتى في المركز من قِبل بعض مكونات الحرية والتغيير التي صعدت كوادرها وتنظيماتها وأبعدت الآخرين ولم تفتح الاستيعاب في المناصب عبر كفاءات على طريقة الرجل المُناسب في المَكَان المُناسب، مُنحت هذا الحق لتنظيمات تغوّلت على الوظائف في أجهزة الدولة ومَارست تمكينا مضادا يُمكن أن يتم الطعن في انتماء شخص بدعوى أنه من الفلول لمجرّد أنه يشغل وظيفة عامة لا تؤثر وليست محل اتخاذ قرار فقط, “لأنهم عاوزين يسكّنوا فيها شخص موالياً”، لذلك عليه أن يخرج من باب الانتماء للنظام البائد، وهذا يتم بطريقة سيئة وحجج واهية من السّهل أن تُدحض.