إنّ قوات الدعم السريع المستنفرة لقتال المتمردين على حكومة المركز بعد أن تم تدريبها تقنياً وعمليًا وعسكريًا, هي المرجوة دون غيرها لكي تجمع الأسلحة غير المرخصة الموجودة بحوزة القبائل العربية الرعوية التي ترعى مواشيها في حزام السافنا الغنية الممتدة من شرق البلاد إلى غربها, ويبدأ من ولاية النيل الأبيض, ومروراً بولاية جنوب كردفان, عابراً بولايتي شرق وغرب دارفور, وينتهي في الدولة التشادية, ويُعرف هذا الحزام الرعوي بحزام السافنا ويسميه العرب بحزام البقارة, حيث توجد على امتداده القبائل العربية التي تسمى البقارة وأشهرها قبائل المسيرية والحوازمة في جنوب وغرب كردفان والرزيقات والمعاليا وإلى آخره من القبائل العربية الرعوية الموجودة في وسط إقليم دارفور, وأهم ما يميز هذه المنطقة هو شريط مائي ممتد من الشرق إلى الغرب ويمثل محور الحياة البدوية لتلك المجموعات البشرية ويُعرف ببحر العرب, القبائل الرعوية الموجودة في هذا الحزام كانت مستهدفة من جانب المتمردين الجنوبيين, فامتلك بعض منهم الأسلحة الخفيفة كالجيم3 والقربينة والكلاش وأبو خمسة والخرطوش والمرمطون والمرتين وأبو جقرة لحراسة مواشيهم من الحيوانات المفترسة ومن غارات بعض اللصوص الذين يسرقون الماشية, لتلك الأسباب, الحكومات المتعاقبة على السلطة في البلاد غضت الطرف عنهم بعدم مُساءلتهم عن امتلاك سلاح غير مرخص, لأنها عزت امتلاكه للأسباب الاعتبارية الآنفة الذكر.
فلما اشتد التمرد وقويت شوكته, استعانت بالقبائل العربية كقوة احتياطية ضاربة يمكن تساعدها في كبح جماح المتمردين لكي لا يتوغلوا إلى داخل المدن الكبيرة, فاستدعت قبيلتي المسيرية والرزيقات للوقوف إلى جانبها لتسند ظهر قوات الشعب المسلحة في ميدان القتال, والشاهد على كونهم شدوا من أزر الحكومة في العمليات ضد التمرد هو تكليفهم لحراسة القطارات من أجل توصيل التعيينات إلى حاميات قوات الشعب المسلح بولاية بحر الغزال الكبرى, فكان لمُقاتلي المسيرية والرزيقات نصيب الأسد في صد هجمات المتمردين على القطارات, واستشهد الكثيرون في سبيل الذود عن الوطن.
فالشيء المُثير للدهشة والاستغراب في هذا التكليف, أنه بدون راتب من وزارة الدفاع للمقاتلين, فإذا وجد شيئاً بسيطاً جداً لا يفي بسد رمق الحوجة, ولكن ذهابهم للعمليات أو لتوصيل القطارات كان مشروطاً بالغنائم التي يجدونها في معسكرات المتمردين كالأسلحة والذخيرة والعدة والعتاد, تصبح ملكاً للمقاتل, رغم هذه الإجراءات فاقدة لكثير من القيم والمعايير المنطقية إلا أن حوجة الحكومة للمقاتلين أخذت جانب الحياد والصمت, فأصبحت هناك أسواق رائجة يُباع فيها جميع أنواع الأسلحة والذخائر فعم السلاح مناطقهم في الحضر والبادية, رغم وجود سلاح بهذا الكم الكبير وفي يد مواطنين عاديين عواقبه مُحتملة من ناحية حفظ الأمن والنظام العام إلا لظروف كونهم مستنفرين إلى جانبها لفك الضائقة والحصار المضروب عليها من جانب المتمردين لم تبد بوجهة نظرها حيال امتلاكهم لتلك الأسلحة, فأصبح من هذا المنظور أن المقاتلين كانوا مصدر التسليح من غنائم الأسلحة التي يجدونها في معسكرات المتمردين للمواطنين العاديين.
على كُلِّ حالٍ, الدولة الآن موبوءة بداء حمل السلاح غير المرخص, لدرجة أنه تكافأ في الكم والنوع مع ما بأيدي القوات النظامية وأصبح أكبر مهدد للأمن والاستقرار وبسط هيبة الدولة وتطبيق حكم سيادة القانون, والحكومة باتت عاجزة عن ضبطه في أماكن كثيرة خاصةً في ولا ية جنوب كردفان وولايات غرب السودان, والمصلحة العامة تقتضي جمع تلك الأسلحة من أيدي المواطنين سواء بالتي هي أحسن أو بالتي هي أخشن, ولا تستطيع أي قوة أخرى لتنفيذ هذا الاجراء إلا قوات الدعم السريع، ولمَ لا..؟
لأن الغالبية العظمى من الأسلحة موجودة بأيدي القبائل العربية وخاصة في غرب البلاد, وإنها أي قوات الدعم السريع مُنتشرة هناك ولديها من الكادر البشري والآليات ما يُميِّزها من القوات الأخرى في المُداهمة والتعقُّب بقصد جمع السلاح, لأنها أثبتت أنها قوات حرب وسلام.. وهذا ما جاز التنويه عنه بإيجاز.
الكاتب في شؤون السلام ورتق النسيج الاجتماعي