ونبدأ بطرفة..
طرفة حقيقية حدثت أيام الدراسة المبكرة..
فزميلنا توفيق كان على عداوةٍ – لا ندري سببها – مع زميلٍ آخر هو مدحت..
ولو فكر فيها بعقل لما تورط فيها أصلاً..
فهو يبدو كما الزرزور إلى جانب الثاني هذا الذي في حجم فيل صغير..
وكان الفيل دائم التنمر على الزرزور..
أو هكذا كان يظن توفيق – ربما – بما أن عقليته ذات هواجس وظنون..
وصباح يوم أتى الزرزور إلى أحد أساتذتنا مشتكياً..
قال إن مدحت ينوي به شراً عقب انتهاء الدوام الدراسي وعليه حمايته منه..
فسأله الأستاذ إن كان قد هدده… فأجاب لا..
فقال له الأستاذ متعجباً: طيب على أي أساس ظننت أنه ينوي بك شراً؟..
فوجم الزرزور هنيهة ثم غرد:
لقد رأيته واقفاً مع زميلنا مجدي… ويضحكان… ويشير هو نحوي بهذه الحركة..
وجمع أطراف أصابعه ليشرح طبيعة الحركة للأستاذ..
فواصل الأستاذ متعجباً: وأيضاً لا دلالة في هذا على أنه يريد ضربك اليوم..
فنفش الزرزور ريشه… ثم نفضه… ثم غرد ضجراً:
يا أستاذ :………. بكون..
ولم يُر أستاذنا هذا يضحك كما فعل في تلكم اللحظات..
فقد طفق يضحك ضحكاً لفت أنظار الكثيرين..
واقتربنا نحن منهما بدافع الفضول… وانتظرنا حتى مسح الأستاذ دموعه..
ثم قال (يعني هسه عايزني أعاقبه ليك بتهمة “بكون”)؟..
ثم ذهب لمكتبه وقد انفجر ضحكاً مرة أخرى… وذهب الزرزور عنا مغاضباً..
ونذهب نحن إلى حاضرنا الراهن..
أو إلى ما قبل الراهن هذا بقليل… إلى أيام النظام البائد..
فمما كنا نعيبه على كثيرٍ من أهل الإنقاذ أنهم يتعاملون بعقلية أركان النقاش..
في أقوالهم… وأفعالهم… وسلوكياتهم..
فهم لم ينضجوا بعد ليتقلدوا مواقع سياسية… والشهادات ليست كل شيء..
وهذا باعتراف كبيرهم الترابي نفسه..
فحين بدا مذيع قناة الجزيرة منبهراً بشهاداته من السوربون انتهره بأدب..
أو تضجر منه بأدب..
وقال له: يا أخي هذه مجرد وريقات… فالإنسان في هذه الحياة بكسبه..
أي ينجح بكسبه… لا بشهاداته..
وبمكتب أنيس منصور حاول البعض أن يتملقه بالغمز في خصمه هيكل..
قالوا إنه لم يحصل شهادة جامعية..
فصدمهم أنيس برده (شاطر؛ لقى نفسه ممكن ينجح من غير شهادة فنجح)..
وبالمناسبة؛ زميل دراستنا الفيل هو الآن مليونير..
رغم اكتفائه بشهادة الثانوي فقط..
أما الزرزور – ورغم شهاداته العليا… والعليا جداً – فهو كحالاتنا مديونير..
ونقفز الآن إلى الراهن… على خلفية (بكون)..
وكذلك على خلفية عقلية أركان النقاش التي كانت سائدة أيام حكم المعزول..
فنحن لدينا الآن عقليات (أعجب) من عقليات أهل الإنقاذ..
وإلى عقلية زميلنا الزرزرو أقرب..
عقلية (بكون)؛ وربما نلمسها بشدة في كشوفات الفصل من تلقاء لجنة التمكين..
أو بالأصح؛ من تلقاء لجانها الفرعية..
وتتمثل في أخذ البعض بالشبهات… بشبهة (بكون)… بكون فلول..
بل حتى أسفيرياً يجري التصنيف بمظنة بكون..
وقبل أيام فعلت تنسيقية غرب كردفان شيئاً عجيباً… عجيباً جداً..
قالت إنها رصدت اجتماعاتٍ لفلول..
ثم قفزت – وفوراً – إلى فرضية أن هذه الاجتماعات تستهدف حقول النفط..
وهي فرضية في غايةٍ من الخطورة..
فمثل هذا القفزة الاستنتاجية لا تصح هنا… وإلا لصحت قفزة زرزور تلك..
وإنما الصحيح أن يتم التعامل مع هذا الأمر أمنياً..
أو ربما ذهب أفراد هذه التنسيقية للجهات الأمنية طالبةً منها اعتقال الفلول..
وربما سألتهم الجهات هذه: وما هو دليلكم؟..
ما الدليل على أنهم ينوون تخريب المنشآت النفطية بالمنطقة؟..
وربما جاءتهم إجابة لم تقتنع بها هذه الجهات..
مثل إجابة زميلنا توفيق عن سؤال أستاذنا بشأن دليله على تربص مدحت به..
بكــــون!!.