“لقد اخترت محمداً في مطلع هذه القائمة لأنه الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي، فدعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وما يزال أثره قوياً ومتجدداً”.. “مايكل هارت”، “الخالدون المائة”..!
أعرف سيدة أوروبية مسيحية، متزوجة من سوداني مسلم – منذ بضعة عقود – تعيش في سوداننا هذا بين رهطٍ من “النسابة” والأصدقاء المسلمين، وهم يجيدون الإنجليزية التي تحدثهم بها أكثر مما تجيدها هي، ومع ذلك لا يجتهدون في الرد على إساءاتها لدينهم “كلما رأتهم يتمسكون بصومهم وصلاتهم قالت لهم إن نبيكم عندما أمركم بتلك العبادات كان تحت تأثير الحشيش” فيسكتون. يخالطونها ويعاشرونها ويستمعون إلى إساءاتها ومع ذلك لا يجتهدون في الرد عليها بما يليق بإسلامهم ويحيق بلؤمها. وهم ليسوا وحدهم، معظمنا نحتاج إلى وقفات مع أنفسنا في فنون الرد على المسيئين لنبينا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – بلا إفراط ودونما تفريط..!
ثم ماذا فعل محمد بن عبد الله النبي، العربي، الأمي، القوي، الأمين، الذي اصطفاه الله من بين جميع خلائقه، وفضّله على أنبيائه وملائكته، وأنزل عليه وحيه بقرآن كريم، فأدّى الرسالة، وبلّغ الأمانة، ثم قبض الله روحه، فمات كما يموت سائر البشر قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. قبل أن يصبح ذكره تاريخاً وسيرة كمن سبقه من الأنبياء والمرسلين..؟!
هو لم يعاصر أسامة بن لادن ولم يجالس حركة طالبان ولم يبارك تنظيم داعش. لم يُجايل حمقى وأوغاد السياسة في هذا العالم الموبوء، لم يأمر داعش بتفجيرات فرنسا، ولم يحث القاعدة من قبلها على تفجير طائرات الحادي عشر من سبتمبر. فبأي ذنب تدفع سيرته الطاهرة أثمان حماقات بعض المسلمين وأحقاد معظم الكافرين؟. ماذا فعل لتكون سيرته الطاهرة موضوعاً مُفضّلاً لعلوج الفن وطراطير الإعلام وأوغاد السياسة – من أنذال العالم الأول – لإشاعة الإسلاموفوبيا وتصدير الكراهية..؟!
ماذا فعل لحثالة الإعلام في القرن الواحد والعشرين وأي ثأر شخصي ذلك الذي ينشأ بين “ميت حي” وأحياء ميتين؟. ولماذا لم يحدث قط أن ذكر أوغاد الفن في أوروبا وأمريكا المسيح في افلامهم بذات السوء. لماذا لم يحدث قط أن تجرأ بعضهم على سيرة موسى عليه السلام؟. لماذا محمد وحده الذي يسيئون إليه كثيراً وطويلاً ودائماً، حتى طفح الكيل واستوى الماء والحجر..؟!
لأنه أعظم الخالدين وأكرم أهل الأرض قاطبة، وأكثر الأحياء والأموات تأثيراً وسحراً، وأكثر الرسل اتباعاً وأفضلهم أمة، وأحبهم إلى أمّته. وما كراهية المُؤثِّر والحَقد على المتأثر إلا من استدامة التأثير وخلود الأثر..!
الإساءة لخاتم الأنبياء والمرسلين هو الحدث الوحيد الذي يجمع شتات المسلمين، هو الكرب الجلل الذي يجتمع على التنديد به – والتهديد بالرد عليه – العابد والعاصي، والصّائم والسكير، والشيخ والزنديق، والعفيف والزاني، والتقي والسارق. كلهم يَختلفون في درجات تقربهم إلى الله وقربهم من سنة نبيه، لكنهم يجتمعون على محبته ويتوحدون في نصرته..!
“اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلِّم سلاماً تاماً على النبي الذي تنحلُّ به العُقَد وتنفرج به الكُرَب، وتُقضَى به الحوائج وتُنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويُستسقَى الغمامُ بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه، بعدد كُلِّ معلومٍ لك، يا الله، يا حي يا قيوم”. اللهم أعنا على اتباع سنته ونصرة رسالته، وبارك لنا في نفحات ذكرى مولده المبارك..!
munaabuzaid2@gmail.com