منى أبو زيد تكتب.. الثَالوث الرَّهيب..!
“الزواج المثالي يكون بين امرأة عمياء ورجل أصم”.. أنوريه دي بلزاك..!
عندما غادر “يوني باروس” منزله مُتّجهاً نحو نصف ميل تحت سطح الأرض، حيث يعمل في منجم للنحاس والذهب بشمال بلاده – تشيلي – لم يكن يعلم أنه سيقضي وقتاً طويلاً وهو حبيس طبقات الأرض، بعد انهيار المنجم فوق رأسه ومجموعة من رفاق عمله. قبل أن يُغادر إلى الأعماق، كان “يوني” يعيش حياة مُزدوجة قوامها الثالوث الشهير – الزوج والزوجة والعشيقة – زواج مستقر، زوجة صالحة، وباقة من الأبناء – وربما الأحفاد – الطيبين. ثم نوازع الستين، وهواجس مُراهقتها المتأخرة، والحاجة المفرطة إلى أنثى مثيرة لجدل المشاعر والحواس..!
وكعادة العشيقات المثابرات مع الكهول الذين أنهكهم الضجر كانت “سوزاناط بالمرصاد. انبثقت من عدم الروتين ورهق المعيش لتتقلد منصب شبه زوجة، وشبه رفيقة، بدوام جزئي تنحسر ساعاته أو تتمدّد وفقاً لأحوال يوني مع رفيقته الشرعية، وتبعاً لتقلبات وأولويات روتينة الأسري المقدس. غاب الرجل تحت طبقات الأرض مضمراً هموم وأحلام تلك العلاقة الثلاثية في سره، ومعولاً في اطمئنانه على القليل من الحظ والكثير من الكذب. لكنه لم يخرج في التوقيت المقدر له بعد أن حبسه حابس، فبقي عالقاً في جوف الأرض، وبين امرأتين..!
مع اقتراب حملة الإنقاذ كان يوني يتحرى العدل في تواصله مع المرأتين، ويقسم بينهما مخاوفه وأوجاعه الوجودية قسمة العدل، بعد أن حرّرته مُقتضيات الحالة البرزخية من عادة الكذب الذميمة فقرر الإخلاص لحبه المخبوء. قرّر الوقوف مع الشرعية الثورية والشرعية الدستورية في آنٍ معاً. فطلب من عشيقته أن تكون في انتظاره مع أسرته، معولاً على فكرة العودة بسلام بعد المشارفة على الهلاك كحائط صد في وجه هجمات زوجته. فكيف جاء موقف الزوجة يا ترى؟!
بعد ثمانية وعشرين عاماً من العُشرة، رفضت “مارتا الحضور إلى موقع الإنقاذ لتكون في استقبال زوجها عند خروجه من المنجم بعد اكتشافها قصة الحب التي تربطه بامرأة أخرى. قالت إنها سعيدة بنجاته التي تعتبرها معجزة من الله، لكنها لن تحضر عملية الإنقاذ، على الرغم من توسلاته، فالرجل قد طلب حضور المرأة الأخرى أيضاً، وهي لن تقبل بهذا. وعلى “الدون جوان” العالق تحت الأرض أن يختار بوضوح، إما هذه أو تلك. رفضت “مارتا” حتى مشاهدة عملية الإنقاذ عبر شاشات التلفزيون، أو محادثة زوجها عبر الهاتف، أو تبادل الرسائل معه، وقالت بحزم إنه بخير وهذا يكفي..!
حكاية “مارتا” شغلت جميع فئات الشعب بما فيهم سيدة البلاد الأولى – زوجة الرئيس التشيلي – التي قالت إن الزوجة المخدوعة محقة في رفض الحضور. انتهت عملية الإنقاذ بسلام، وهنأ رؤساء الدول رئيس جمهورية تشيلي بسلامة العائدين، بعد أن ركب يوني كبسولة الإنقاذ عائداً إلى سطح الأرض لينظر حوله فلا يجد مارتا التي ما عاد يعنيها – بعد اكتشاف خيانته – إن ركب الكبسولة، أو “ركب التونسية”..!