بدأ القلقُ يُساوِر قطاعات الشعب السوداني في الداخل والخارج، جرّاء التطوّرات ذات المنحى الحاد الجارية الآن في البلاد، وبدأ الخوفُ يزداد من تفاقُم الوضع الأمني بعد ورود معلومات ووجود شواهِد تؤكّد أن الحركات المتمرّدة بدأت في إدخال عناصرها إلى الخرطوم وتعمل على تعزيز تواجدها في مناطق الخرطوم المختلفة وخاصة محيط ووسط ساحة الاعتصام مع تزايُد وتنامي خطاب الكراهية والعنف والبغضاء، وهذا يُنذر بخطر ماحق ومواجهات قد تعصِف بالأمن والاستقرار وتنسف السلام والطمأنينة، ويدخل السودان بعدها نفقاً مظلماً الله وحده يعلم متى وكيف الخروج منه ..
لا يُقدّر أهل السياسة وخاصة الأحزاب اليسارية التي خرجت من قُمقُم الإحباطات والخيبة، دِقّة الظروف التي تعيشها البلاد، ووقوف الجميع على حافة الهاوية، إذا لم يتدارك اللهُ بلطفه وعنايته بلادَنا، ويسعى السياسيون من أجل مصالحهم ومطامحهم الحزبية وطمعهم الشخصي والشرَه في السلطة، إلى تصعيد الخلافات وإعلاء لهجة الخصام، دون مبالاة للتداعيات الخطيرة التي سيكون عليها الحال إذا انفلت العِقال وفُقِدت السيطرة على المقود والخطام ..
يبدو السودان الآن، وخاصة في عالم السياسة، كأنه بلا عُقلاء وغاب عنه أهل الحِكمة والتأنّي والرشد السياسي، فهذا الطيش العارِم والمزاج المُتشنّج الغريب في المشهد العام، والظواهر الاجتماعية التي أطلّت برأسها مُتداعِية من ما جرى عقب الاحتجاجات والاعتصام، ستقود البلاد إلي وضع كارثي لا فكاك منه، تتمزّق معه وحدة المجتمع وتنهار الدولة وتُصبح نموذجاً أسوأ من اليمن وليبيا والصومال، فما حلّت الكراهية بمجتمع إلا قسمته، وما استوطن العنفُ اللفظي والجسدي في دولة إلا وأحالها بلقعاً أجردَ وبيْدراً قاحِلاً ..
نحن في لحظة تاريخية، لابد أن يبرز فيها صوت مُتعقّل حكيم، ويشخص فيها حزم قاطع وحسم قادر وحريص على درءِ الشرور والمفاسِد، وجلب المصالح وإعلاء قيمة الحق والحقيقة، هناك إرهاصات واضحة بأننا سننزلِق إلى الهاوية، وفّرَت القوى اليسارية والأحزاب العمياء الطائشة مناخاً من الضجيج والغبار، تجد فيه الحركات المُسلّحة والمتمرّدة منفذاً لمخططاتها ومعبراً لأهدافها التي لم تكُن لتبلغها في أي وضع طبيعي، فهي الآن تحت غطاء الحمّى الثورية والانفراط الأمني والسياسي تعمل على تفجير الأوضاع وإشعال النار والحريق في كل شيء .
تسللّت العناصر المتمرّدة تحت مظلة الاعتصام والمواكِب الشعبية والوفود القادمة من الولايات وِفق خطة مرسومة، وهي تعد العدة لتضرب ضربتها وسط الخرطوم، مُتوهّمة أنها تستطيع السيطرة والاستيلاء على الدولة بكاملها، وقد عجِزت عنها في فترات الحرب والمواجهة مع القوات المسلحة والدعم السريع، ولم تكُن هذه الحركات تحلُم في يومٍ من الأيام بوضع مثالي لتنفيذ مخططاتها كما هو عليه الحال الراهن اليوم، بينما تتصارَع قوى الحرية والتغيير على المغانِم والمواقِع السلطوية وكراسي الحُكم وتتهافَت الأحزاب والتنظيمات السياسية على البقاء في واجِهة الأضواء .
حان الوقت لحسم هذه الفوضى العارمة، فالجهات الرسمية والأجهزة العسكرية والأمنية تمتلك كل المعلومات، وتراقب بدقة وبحرص وعن كثب ما يدور، ولديها تفاصيل كثيرة، ولديها عيون تُراقِب وآذان تسمع وأصابع على الزناد، لحماية هذا الشعب وحراسة أمنه واستقراره وكرامته، فبينما السياسة غافِلة ولاهِية وساهِية عن ما يجري ويُحاك في الظلام، فأبناء الشعب من القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى متأهِّبون وجاهِزون لوأد الفتنة وطمرها تحت التراب، فليس مُهماً كيف ستُدرأ، لكن المهم الآن هو أن يُرفَع الغطاء عن الساسة الخائنين الكذابين وعن لاعبي اللعبة مع المتمرّدين ومن باعوا الوطن على الرصيف لصالح الحركات المتمردة التي ما كانت لتحلم بدخول الخرطوم .