وحتى حياتي..
هذا هو شعار من يتبعون قائداً بشرياً – مثلهم – بغباء..
وكثيرٌ من أهل الإنقاذ ساروا خلف قائدهم وهم يهتفون: سير سير يا بشير..
فقلنا لهم هذا غلط… أعملوا عقولكم..
فإن كان هو بلا عقل فمن العيب أن يقود خلفه ذوي عقول..
وما كنا ندري أنهم أهدوه عقولهم هذه..
وبايعوه وهم يصرخون: خُذ عقولنا… بل وحتى حيواتنا..
ومن تخلص من عقله ما كان له أن يفهم قولنا..
وبعد فوات الأوان أقرّ أحد شيوخهم – أحمد عبد الرحمن – بصحة قولنا ذاك..
قال إنهم أخطأوا حين ساروا خلف رجل واحد… بلا عقل..
حين قالوا له: خُذ عقولنا..
والحالة هذه قد يتساوى فيها البشر مع الحيوان… من شدة غباء بعض البشر..
ومعها سلبٌ للإرادة… برضا من الإرادة..
فالانتحار قد يقود إليه الاكتئاب الحاد… فيما يلي البشر..
والاكتئاب قد يقود إليه إحساس المرء بأنه فقد كل دافعٍ عنده للحياة..
وفقدان الدافع قد يقود إليه سبب في غاية التفاهة..
يعني – مثلاً – ربما يكون السبب تخليِّ أنثى عن الذي كان يقول لها (حياتي)..
وارتباطها بآخر ترى أنه الذي يمثل لها حياتها..
فيفقد – من ثم – أية رغبة له في أن يحيا… بعد أن جردته من أسباب الحياة..
بل وقد يتحضر مترنماً بألم: خُذ حياتي..
وقد يكون العكس صحيحاً – كذلك – مع تفاوت في المقارنة..
فالمرأة لا تجن – أو تنتحر – بسبب رجل؛ إلا إن كان يشكل لها كل الحياة..
وربما يكون فقد وظيفة يراها صاحبها كل حياته..
وهنالك من فقدوا حيواتهم – ببلادنا – فور أن فقدوا وظائفهم جراء الصالح العام..
فقدوا الرغبة في الحياة؛ فتخلت عنهم الحياة..
وهناك من ينتحرون – من الشباب – عقب ظهور نتائج امتحانات يرونها (الحياة)..
سيما البنات؛ لشدة حساسيتهن..
وكل حالات الانتحار هذه فردية رغم إنها – عند النظر إليها شمولاً- تُعد جماعية..
ولكن ثمة حالات انتحار بشري جماعي كانتحار الحيتان..
وقبل نحو ثلاثة أعوام حدثت أكبر ظاهرة انتحار جماعي للحيتان بخليج نيوزيلندا..
مئات الحيتان جنحت نحو الشاطئ لتموت انتحاراً..
أو هكذا يظن غير المتخصصين في علم سلوك الحيوان؛ والحيتان تحديداً..
فالتفسير العلمي لهذه الظاهرة أن الحيتان تهاجر جماعياً..
وأن هذه الهجرة تكون تحت إمرة قائد متنفذ؛ تطيعه الحيتان حيثما ذهب..
وأن هذا القائد قد يعتريه مرضٌ طارئ خلال الرحلة..
وأن هذا المرض قد يشوش على (الرادار) الطبيعي للحيتان الذي برأسه..
وأن هذا التشويش قد يدفعه نحو الاتجاه الخاطئ..
وأن الحيتان تتبعه صوب هذا الاتجاه الخاطئ؛ وإن كان يقود إلى اليابسة..
تتبعه بموارٍ – وهو اسم صوتها – يردد: خُذ عقلي..
ثم تتطور عبارة خذ عقلي هذه إلى خُذ حياتي ذاتها؛ وهي تسعى خلفه إلى حتفها..
فتموت معه هناك؛ ليبدو الأمر انتحاراً جماعياً..
والآن رجوعاً إلى البشر نقول إنهم قد ينتحرون جماعياً أيضاً؛ مع الفارق..
الفارق في (العقل) الذي يميز بينهم والحيتان..
أو ربما لا يكون هنالك فارقٌ حين يلغي البشر عقولهم هذه لصالح عقل القائد..
حين يقولون له: خُذ عقولنا..
وعندها قد يقودهم إلى الهلاك الجمعي؛ حرباً أم سلماً..
فقد يكون قتلاً جراء حروب؛ أو جوعاً بسبب سياسة خاطئة… خاطئة حتى الموت..
وهم يصرخون من ورائه: خُذ حيواتنا نفسها..
فتكون النتيجة أن يأخذ حياة كل منهم؛ من بعد أخذ عقله..
أخذها حرباً… أو جوعاً…
أو حتى انتحاراً..
فمساء الأول من أمس شاهدت فيلماً – شبه وثائقي – عن آخر أيام هتلر..
وكان يحكي عن اندفاعٍ جماعي وراءه..
تماماً كاندفاع الحيتان خلف قائدها؛ حتى وإن كان يتجه بها صوب الهلاك..
وكثيرٌ من المقربين إلى هتلر اندفعوا خلفه حتى النهاية..
اندفعوا خلفه سلماً… فحرباً… فانتحارا..
انتحر هو… فانتحروا هم..
انتحروا وهم يرددون ما يشابه قول مغنينا (دي الدنيا من بعدك عدم)..
فأخذ حتى حيواتهم من بعد فقده حياته..
وخلال حياته أخذ من كلٍّ منهم ما يميز بينه وبين الحيوان..
بعد أن أهداه له على طبقٍ من غباء وهو يهمهم:
خُذ عقلي!!.