عبد الله مسار يكتب : أزمة شرق السودان (القندول الشنقل الريكة)
شرق السودان هو ثغر السودان الباسم, وهو حلقوم الوطن, وهو الرئة الاقتصادية التي يتنفّس بها, بل هو التاريخ والحضارة, بل هو الإنسان والحضارة, هذا الشرق أُهمل من قِبل كل الحكومات التي حكمت السودان منذ الاستقلال, لم تقم فيه تنمية ولا خدمات عامة, بل رغم أنه يرفد الحكومة بمبالغ ضخمة من الإيرادات, ولكن إنسانه يعيش البؤس والعوز والفاقة, بل مازالت أمراض سوء التغذية منتشرة فيه.
إنسان شرق السودان متفرد وصبور وذكي ولمّاح وهادئ, ولكنه أيضاً شجاع وكريم ووحدوي ومتضامن.
شرق السودان تعرّض في التاريخ الحديث الى إهمال ممنهج ومتعمد من كل الحكومات الوطنية, وكان فقط بقرة حلوب, خيره لغيره, حتى في داخله المستفيد من خيراته الذي أتى إليه من خارج المنطقة.
يعيش انسان الشرق رغم كبر الإيرادات حالة الكفاف المستعصية, بل ليس هنالك أي التفاتة له أرضاً وشعباً.
انتفض الشرق بقيادة الناظر تِرِك بعد توقيع اتفاق سلام جوبا وإقامة مسار باسم الشرق الذي رفضه أهل الشرق, وطالب تِرِك بمنبر تفاوضي جديد يتضمّن المشاكل وكيفية حلها, بل يمكن حلها بإلغاء المسار والاستعاضة عنه بمنبر تفاوضي جديد, يأخذ من المسار الأول بعض البنود وينشئ مركزا تفاوضيا ويعالج قضايا الشرق كافة في إطار وحدة السودان.
ولكن حكومة د. حمدوك تعاملت مع الشرق بعدم جدية وبطء شديد, ولم تعمل للعلاج, خاصة وان بعض منسوبي قحت ومن الجهاز التنفيذي, أرسلوا رسائل سالبة لأهل الشرق, ولذلك ليس هنالك قبول للدكتور حمدوك وحكومته وحاضنتها من اهل الشرق, بل يلحظ المرء أن الشارع في الشرق مُتمسِّكٌ بحلوله الخاصة وكانت بسيطة, ولكن ارتفع سقف المطالب الى الحد بمطالبة رحيل د. حمدوك وكل وزرائه, ولذلك تعقّدت قضية الشرق!
بل طرحوا مشروع دولة, وحدّدوا عُملتها وعَلَمها وخاتمها الرسمي, ولذلك كانت قضية الشرق صغيرة ونبّهنا لذلك مبكراً بمقالنا (د. حمدوك انتبه النار من مُستصغر الشرر) بهذه الصحيفة تحت عمود (النصيحة), ولكن لأن حكومة حمدوك ليست لديها قدرة على مواجهة مثل هذه المشاكل وإيجاد حلول لها, وكذلك ليس لحاضنتها السياسية دورٌ, ولذلك استفحلت القضية وخرجت من يد الحكومة والحرية والتغيير, ولذلك صارت خارج سيطرة دولة الرئيس حمدوك, وعليه صار سقف المطالب عالياً وهم عارفين أن الحكومة لا تستطيع ان تستعمل القوة ضدهم, لأن الناظر تِرِك استعمل نفس قانونهم الذي استعملوا في إسقاط البشير وهو مظاهرات وتتريس الشوارع وحرق اللساتك وقفل المؤسسات الحيوية ومنع خروج أي سلعة الى السودان الكبير, بل جمع تِرِك تحالفات كثيرة من الشمال والوسط وكردفان وهكذا.
عليه, أعتقد أنّ أزمة الشرق ستطيح برؤوس كبيرة في حكومة حمدوك وكذلك الحاضنة!
عليه, مطلوبٌ من الدكتور حمدوك تنازلات كبيرة لحل الأزمة, أولها حل هذه الحكومة العاجزة وتكوين حكومة كفاءات وطنية, بل إلغاء مسار الشرق, وكذلك حل لجنة التمكين والاستعاضة عنها بمفوضية فساد قومية, كذلك تخصيص جزء كبير من الإيرادات القومية لصالح تنمية وخدمات الشرق، وعمل مصالحة وطنية شاملة مع كافة المكونات الاجتماعية لشرق السودان.
أخيراً.. أخي حمدوك نبّهناك لخطورة قضية الشرق ولم تستبن الأمر إلا ضُحى الغد.. ألحق الأمر قبل أن يكون الشرق دولة ويتبع ذلك آخرون بالسودان, الآن بالسودان هشاشة مُبَالَغ فيها، استجب لمطالب الشرق لتُعيد لحمة الوطن السودان.
وأعتقد اذا كان رئيس الوزراء وحاضنته السياسية عاجزين عن الحل, فليتدخّل الرئيس البرهان ويعفي الحكومة كلها ويلغي مسار الشرق ويعمل منبراً تفاوضياً جديداً, ويُوسِّع الحاضنة السياسية لتشمل كل أهل السودان عدا المؤتمر الوطني الآن.
أخي الرئيس البرهان, الأمر لا يحتمل التأخير إذا كانت الحكومة كسيحة وحاضنتها ميتة, يجب أن تكون المبادرة من الرئيس والشعب, وها أنا باسم القوى السياسية الأخرى ومُكونات المُجتمع الأهلية والمدنية, أناشدكم الأخ البرهان بالتدخُّل ولو ادى ذلك بذهاب كل المكونات الحاكمة في الفترة الانتقالية الآن.