تقرير- محجوب عثمان
يعتبر الوجود الأمني غير المقنن أحد التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية, لجهة أن كثيرا من الجنسيات دخلت الى البلاد خلال حكومة العهد البائد, غير ان اخطر تحد يواجه الحكومة في الوقت الراهن فيما يتعلق بالوجود الأجنبي يتمثل في خلايا الجماعات المتطرفة التي وجدت في السودان ملاذا منذ ان اعلنت الحكومة في تسعينات القرن الماضي عن سياسة الباب المفتوح والتي احتضنت بموجبها عددا من الجماعات التي تصنف كجماعات ارهابية، وربما ظهرت كثافة الخلايا النائمة لتلك الجماعات مؤخراً بعد مواجهة مع احداها في جبرة ادت لاستشهاد 4 من ضباط جهاز المخابرات, الامر الذي قاد لحمالة كبيرة تنفذها القوات الامنية على تلك الخلايا والتي ادت لمواجهات عنيفة امس الاول في حي جبرة جنوب الخرطوم, بينما تم القبض على 3 خلايا في منطقة شرق النيل وخلية في منطقة الثورة بأم درمان.. ربما كل تلك التداعات وغيرها هي التي ادت ليتخذ قراراً خلال اجتماعه امس الاول لوضع استراتيجية لتنظيم الوجود الأجنبي.
ربع السكان أجانب
ورغم ان الكثيرين يرون ان عدد الاجانب في السودان غير معروف, الا ان مدير دائرة شؤون الأجانب بالادارة العامة للجوازات والهجرة اللواء الطاهر عبد الحفيظ، كشف في تنوير صحفي أمس عن وجود (8) ملايين أجنبي يقيمون بالبلاد بطريقة غير شرعية.
وقال اللواء عبد الحفيظ، إنه وبحسب الإحصائيات تبين وجود (8) ملايين أجنبي يقيمون بطريقة غير شرعية في مدن البلاد المختلفة, بينهم (3) ملايين يحملون الجنسية الإثيوبية ومليونان من دولة جنوب السودان، بالاضافة لمليوني اجنبي من دول غرب افريقيا، فضلاً عن مليون لاجئ مسجلين بطريقة شرعية ومعتمدين لدى معتمدية اللاجئين، واكد تسجيل واعتماد إداراته لـ(34) ألف أجنبي فقط يقيمون بالبلاد بطريقة شرعية ومنظمة وفقاً للقوانين.. ووفقاً لحديث اللواء الطاهر عبد الحفيظ، فإن عدد الاجانب في البلاد يزيد عن ربع سكان السودان وفق آخر تعداد سكاني الذي احصى عدد سكان السودان بعدد 32 مليون نسمة.
استراتيجية
خلال اجتماع مجلس الوزراء أمس الأول, كشف وزير الداخلية الفريق اول عز الدين الشيخ, عن رصد بعض المجموعات الإرهابية المتطرفة منذ 28 سبتمبر الماضي بمنطقة جبرة ومن ثم محاصرتها, غير أنّ الخلية الإرهابية دخلت في مواجهة مع القوات الأمنية المشتركة التي كانت تنفذ المداهمة, واشار الى ان القوات المشتركة استطاعت ان تسيطر على الوضع وان تلقي القبض على بعض منسوبي الخلية الإرهابية, غير انها احتسبت شهيداً من القوات المسلحة, وشدد وزير الداخلية على اهمية بذل جهود اضافية للسيطرة على الوجود الأمني في البلاد وتشديد الرقابة مع اتخاذ ترتيبات عملية من خلال العلاقات مع الدول لضبط الأمن, فضلاً عن مراجعة القوانين والسياسات المتعلقة بالوجود الأمني في البلاد.
وبحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء, فإن الوضع الأمني بعد توضيح وزير الخارجية خُضع لنقاش مستفيض داخل اجتماع مجلس الوزراء وخلص التداول لأهمية وضع استراتيجية لتنظيم الوجود الأمني في البلاد, ووجه مجلس الوزراء جميع الجهات المعنية بملفات اللاجئين بالعمل فوراً على وضع الاستراتيجية التي يجب التعامل بها مع ملف الوجود الأمني خلال الفترة المقبلة.
تقاطعات
ومنذ سقوط النظام, ظل ملف الوجود الامني يخضع للعديد من المراجعات خاصة فيما يتعلق بمنح الجنسية السودانية لأجانب سواء من جنسيات عربية او افريقية, وقد شهد ملف منح الجنسية السودانية خلال العهد البائد الكثير من اللغط كونه حمل العديد من مظاهر الفساد والانتماءات الفكرية والعقائدية، فقد تم خلال حقبة النظام البائد منح سوريين ويمنيين وعراقيين الجنسية السودانية بعد دخولهم السودان لاجئين، جراء ثورات الربيع العربي التي شهدتها بلدانهم.
وفي مارس من العام الماضي, أصدر رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قرارًا بسحب نحو 13 ألف جنسية سودانية، مُنحت لأجانب من أصول غير سودانية خلال الفترة من 1989 وحتى 2019، بتوصية من وزير الداخلية, وشمل القرار حظر ومراجعة مجموعات أخرى من ملفات الجنسيات السودانية التي مُنحت لأجانب من أصول غير سودانية، إلى حين مراجعة السلطات المختصة للتأكد من سلامة إجراءات الحصول عليها.
مُغادرة
وبعد سقوط نظام الإنقاذ غادر آلاف الأجانب خاصة من كانت لهم انتماءات فكرية تتوافق مع النظام وتخالف الايديولوجيا التي تحكم بها حكومات بلادهم هناك, وبحسب مصدر رفيع المستوى من وزارة الداخلية تحدث لـ(الصيحة) مفضلاً حجب اسمه فإن الآلاف الذين غادروا البلاد اتخذوا قرارهم ونفذوه عقب سقوط نظام الإنقاذ مباشرة, مبينا انهم غادروا خوفاً من ان يتم تسليمهم لحكومات بلادهم التي يختلفون معها فكان ان اتخذوا قراراً بالمغادرة السريعة كون أن البلاد بعد سقوط الحاضنة التي كانت تأويهم سيكون معادياً لهم, بيد انه اشار الى ان آلافاً آخرين فضّلوا البقاء وظلوا يشكلون خلايا نائمة ربما لتنفيذ مخططات يتم تكليفهم بها مستقبلاً.
ضوابط مطلوبة
وربما تكون الاستراتيجية المطلوبة مهمة جداً للتعامل مع الوجود الأجنبي خاصة بعد انفجار الأوضاع ووصولها مرحلة المواجهات المسلحة في وسط احياء الخرطوم بصورة شبه يومية, وفي هذا يرى الخبير الامني والاستراتيجي اللواء مهندس ركن امين اسماعيل مجذوب أن اهم الخطوات التي يجب اتباعها تبدأ بالتنسيق مع دول الجوار لمعرفة الإرهابيين وهوياتهم ومتابعتهم وسجلاتهم الأمنية حال دخولهم السودان ومن ثم تأمين الحدود المفتوحة بالقوات المشتركة او عبر الدوريات لمنع التسلل من دول الجوار التي تُعاني من ازمات أمنية وسياسية، ولفت لأهمية تسجيل الأجانب عند دخولهم البلاد ومعرفة سبب دخولهم السودان وطبيعة العمل التي يجب ان تكون واضحة عند ميناء الوصول سواء كان بريا أو جويا أو بحرياً, بالإضافة لتجديد الإقامة مع مراقبة الأجانب في عملهم وسكنهم ثم تفعيل لائحىة السكن والشقق المفروشة وان لا يتم تأجير اي شقة مفروشة إلا بمعرفة الجهة المختصة بالشقق المفروشة في وزارة الداخلية وجهاز المخابرات, وقال “الإيجار يتم بعقد وبمعرفة شُعبة الشقق المفروشة في الشرطة أو الجهاز”, وشدد على أهمية معرفة الاتفاقيات التي تمنع عمل الجماعات الإرهابية في مختلف دول العالم ما يتطلب ان تكون هناك قاعدة بيانات تحدث وتجدد على مدار اليوم, واشار د. أمين الى أهمية مراجعة الجوازات السودانية التي منحت لأجانب خلال الفترة الماضية وان يتم سحبها ثم تدريب وتفعيل القوات المخصصة لمكافحة الإرهاب سواء في الشرطة او المخابرات او الفرقة التاسعة المحمولة جواً والتنسيق بينها ووضع استراتيجية قومية تعمل على مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية في السودان.