الخرطوم: رشا التوم
يُواجه الاقتصاد السوداني طوال العقود الماضية, متلازمة الشح والندرة في توفير السلع الاستهلاكية والضرورية, وعقب ثورة ديسمبر المجيدة لم تتغيّر الصورة كثيراً عن النهج القديم, وعلى إثر تداعيات إغلاق الشرق على توفير السلع والخدمات من المُتوقّع أن تحدث نُدرة وشح كبير في سلعة السكر خاصة في ظل تراجع الإنتاجية التي تواجهها البلاد, لتلقي المشكلة بظلالها السالبة على المواطنين في ظل ارتفاع قياسي في أسعار السكر بالأسواق.
وسوف يصعب على الأسر توفير قدر كاف من السلعة والتي تمثل ضرورة قصوى ولا يُمكن استبدالها بأي حال من الأحوال, حيث وصل سعر الكيلو 320 جنيهاً وسعر الجوال زنة 50 كيلو 16500 جنيه في العاصمة, ناهيك عن الولايات,
وبالتالي من المنتظر أن يشهد قطاع السكر المزيد من التعقيدات خاصةً عقب قيام الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس بإصدار تعميم إداري استناداً على توجيهات وزارة الصناعة, ألزمت بموجبه مستوردي سلعة السكر الأبيض بالاستيراد في جوالات زنه 25 كيلو بدلاً من 50 كيلو للحد من التهريب.
ومن ناحيته, وصف مصدر ذو صلة بـ”ملف السكر” لـ(الصيحة), القرار بالمعيب, وقال إن جميع شحنات السكر المستورد يتم شراؤها من السوق العالمي المحكوم بالبورصة, ووفقاً لقواعد وضوابط تُطبّق على كافة المتعاملين في تجارة السكر.
وأكد أن كافة المستوردين المحليين يتعاملون مع شركات لها سجل في البورصة و”البورد” العالمي.
وقال المصدر إن قرار المواصفات يعدل في القواعد العالمية فيما يتعلق بالتعبئة.
وأشار إلى أن القرار يضاعف تكاليف الاستيراد بمبررات واهية,
وأكد المصدر أن إغلاق منافذ التهريب يتم بتوفير الدعم الفني واللوجستي للأجهزة المُختصة وزيادة المراقبة والمتابعة بدلاً من تحجيم عمليات الاستيراد بافتعال تعقيدات إدارية تؤدي إلى تقليص عرض السلعة في الأسواق وحدوث نُدرة.
وأقر المصدر بضعف إنتاجية السكر والتي قال إنها لا تتجاوز الـ15% من حجم الاستهلاك البالغ ٢ مليون طن.
ودعا, هيئة المواصفات إلى مراجعة القرار الذي لا ينسجم مع تطلعات الحكومة للاندماج في المنظومة العالمية.
وفي تصريح صحفي سابقٍ, أكد المدير العام لسكر النيل الأبيض المهندس دسوقي الوقيع لـ(الصيحة), أن الاستعدادات تسير بصورة مرضية للموسم الجديد حتى الآن, نافياً أي علاقة للشركة بتحديد اسعار السلعة في السوق المحلي والذي يعتمد على السكر المستورد بحوالي 80% ويمثل الانتاج المحلي 20% فقط من السلعة.
وفي السياق نفسه, جزم مدير القطاع الفني بشركة السكر السودانية محمد بله بأنّ ارتفاع اسعار السكر في الاسواق غير مبررة, وعزا الامر الى مضاربات التجار والممارسات السالبة,
وأضاف ان هنالك شركات تقوم بزيادة اسعارها وفقاً لزيادات الدولار مما يفاقم من الازمة, وأكد بدء التحضيرات لانطلاق الموسم الجديد مطلع نوفمبر المقبل بمصانع السكر الأربعة, مبيناً سعيهم لتوفير الوقود والمدخلات تفادياً للأسباب التي عملت على تدهور الموسم السابق وسد الثغرات, مشيراً لانتاج 53 ألف طن الموسم الماضي, منوها الى تفاوت انتاجية المصانع حوالي 110 آلاف طن لمصنعي سنار وعسلاية و65 الف طن لكل من الجنيد وحلفا.
وكشف مصدر بشركة سكر كنانة فضّل حجب اسمه, عن تراجع استيراد السكر من الخارج والذي تسبّب في شُح كبير في السكر نتيجةً لإلغاء الدولار الجمركي, بالاضافة الى مشكلات في الترحيل والوقود عقب رفع الدعم الحكومي وهو أهم الأسباب التي عملت على رفع اسعار السلعة, بجانب ارتفاع اسعار الخدمات (النقل + الترحيل), ولفت الى ارتفاع الاسعار في البورصة العالمية وبدورها انعكست على الاسعار في السوق المحلي, وجزم بأن الضرائب والرسوم الحكومية المفروضة أثّرت بصورة كبيرة على قطاع السكر وتراجع انتاجيته.
وكشف أحد المستوردين لـ(الصيحة) تأثر عملية استيراد السكر من الخارج, واوضح ان هناك زيادات في الجمارك المفروضة على الجوال زنة 50 كيلو, حيث ارتفعت من 45 جنيها الى 600 جنيه, وقال انها عملت على رفع سعر المنتج النهائي,
وكشف عن زيادة في اسعار الجوال زنة 50 كيلو بواقع 16.500 جنيه بدلاً من 14 ألف جنيه, وعزا تباين الاسعار الى العرض والطلب, وضعف القوة الشرائية, وانقطاع الطرق في بعض المدن نتيجة السيول والأمطار والتي بدورها اثرت في ترحيل السلعة الى تلك الولايات.
وفي المقابلً عزا التاجر عصام العربي, ارتفاع اسعار السكر الى توقف بعض الشركات عن الاستيراد بغرض مراجعتها، واكد ان سعر جوال السكر زنة 50 كيلو بواقع 16.500 جنيه من الإجمالي والقطاعي بواقع 15 الف جنيه, مبينا ان السكر شهد زيادات كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين.
ومن ناحيته, قال الخبير الاقتصادي طارق عوض, إن ما يحدث في قطاع السكر نتج عن خلل إداري كبير جداً في ادارة الشأن الاقتصادي، وقال ان تلك السياسات تمثل ارهاقاً وتشكل ضغوطا على المواطن الذي يواجه ازمات, مبيناً أن الدولة كأنها تخلق أزمات شبه مبرمجة لقياس مدى تقبُّل المواطن لها أسوة بما حدث من أزمات سابقة في السلع, ولفت الى المعاناة في الخبز والغاز والمحروقات والتي خلفت فوضى عارمة في الاسعار ما بين المركز والولايات, وقال ان كل تلك الاشياء تؤكد ان القطاع الاقتصادي غير قادر على تلبية الحد الادنى من الخدمات الاساسية وتوفير السلع الاستراتيجية للمواطن,
وزاد قائلاً: (ما حدث من ارتفاع في اسعار السكر فوضى لم تحدث من قبل, ومن المعلوم ان السودان ينتج حوالي 700 ألف طن, والاستهلاك حوالي 1200 ألف طن, والفجوة بمقدار 500 ألف طن, والمفروض مُعالجتها بصورة سريعة وهو خلل كبير يؤدي الى ارتفاع أسعار السكر ويدفع الثمن المواطن البسيط).
واعتبر تأخر تشكيل الحكومة احد اسباب الخلل, ودعا الى الاسراع لإكمال هياكل الحكم منعاً لحدوث خلل اكبر, ووصم الدولة بأنها تُدار بصورة مخلة, وابان ان المؤشرات الاقتصادية تشهد تراجعاً مستمراً بارتفاع معدلات التضخم وتدهور سعر الصرف والعملة الوطنية ونقص في السلع الاستراتيجية والأساسية.