الشعب يريد
*أذكر ونحن في المرحلة الابتدائية بمدرسة القوز “2” “طيبة الذكر” كان بجواري ابن دفعتنا “الشيخ”، هكذا اسمه، وكان دائم الابتسام حتى أثناء الحصة المدرسية، وفي إحدى حصص أستاذنا الراحل “عبد الله” وكان حينها مديراً للمدرسة، سأل الشيخ عن سر ابتسامته تلك، وقال له بالحرف “انت عدنك نص مليون بتضحك كدا”.
*نص المليون “خمسمائة جنيه” كان ثروة كبيرة جداً جعلت أستاذنا يبالغ في امتلاك تلميذ لها، وجعلته يكون منشرح القلب والوجه، واليوم هذا المبلغ قد تجده في جيب الكثيرين من عامة هذا الشعب “المطحون” بالضائقة الاقتصادية.
*وهذا المبلغ الآن يمثل ثمن تذكرة الدخول لطبيب “عادي جداً” في شارع الحوادث، وعلى ذكر الأخيرة هذه هل التفت المجلس العسكري لتوفير الخدمات الطبية في مستشفيات الخرطوم “الحكومية” التي دُمرت بسياسة وزير الصحة السابق مامون حميدة؟
*إن أكثر ما يعاني منه المواطن وظل يُطالب به لسنوات بعد “تفكيك” مستشفى الخرطوم، هو توفير العلاج الناجع لعامة الشعب وليس لصفوته عبر المستشفيات الفندقية والمستوصفات الخاوية من الدواء.
*ظل الحقل الصحي طيلة السنوات الماضية يُعاني من الإهمال وظل المواطنون يبحثون عن العلاج بالأعشاب في ظل توفر العلاج الحكومي، وحتى التأمين الصحي أصبح “يمرض” الأصحاء الذين يرافقون المرضى.
*المواطن البسيط لا يريد شيئاً من الطبقة التي تحكم سواء توفير سبل العيش الكريم والعلاج والتعليم.
*إن نجحت الدولة في السيطرة على ارتفاع أسعار السلع في الأسواق ووفرت الفحوصات والعلاجات المجانية في المستشفيات، والبيئة المدرسية الجيدة من أساتذة وإجلاس وكتاب، فليحكموا السودان أبد الدهر.
*كل المعتصمين الآن في القيادة العامة، وجعل الشعب السوداني في البوادي والحضر لا يريد أن يجلس على كرسي السلطة كما يسعى إليه مرضى النفوس، وإنما يريد أن يعيش حياة كريمة بها كل مقومات الحياة الجيدة وبها الخدمات مع إتاحة الحريات له ليقول ما يريد دون أن يتعدى على حريات الآخرين.
*هذا ما يريده الشعب السوداني الذي خرج في ثورة ديسمبر، خرج ضد الظلم في توفير العلاج والتعليم وعدم توفر “قفة الملاح” للبسطاء من أبناء بلادي.
*نصف المليون التي ذكرها أستاذنا الراحل قبل سنوات عديدة، كانت “مال كثير”، وبالإمكان ان تفعل بها ما تشاء في حينها، ولكنها اليوم قد تشكل “مصروف” بيت واحد فيه طلبة ومرضى وأطفال.
*اليوم إن كان مرتب الموظف “الكبير” ثلاثة ملايين” بالقديم، فإنها لا تفي بمصاريف نصف شهر إن ضيّق على أهل بيته فيها، لذا نجد أن المجتمع السوداني شهد خلال السنوات الماضية الكثير من التغييرات في طباعه وتصرفاته.
*في السابق كان شخص واحد “يصرِّف” بيتاً بأكمله بمدارسهم وعلاجهم وأكلهم وشربهم، واليوم نجد كل أبناء البيت يعملون ولا يفون بالتزاماتهم المنزلية.
*الشعب يريد حياة كريمة وخدمات جيدة، وهذه لن تتحقق إلا بمحاربة الفاسدين الذين نهبوا الكثير من خيرات هذه البلاد، وجعلوا أهلها يبحثون عن فتات الخبز وأخف العلاجات في حالة مرضهم.