الخرطوم- فاطمة علي
يُعد الثالث من أكتوبر يوماً استثنائياً وعظيماً وسط مكونات الشعب السوداني, ففي الثالث من اكتوبر 2020م وقّعت الحكومة الانتقالية مع الجبهة الثورية بعاصمة جنوب السودان على اتفاق سلام السودان, وأنهى عقوداً من الصراعات والحروبات التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف وتشرد ونزوح الملايين من السكان، وفعلت دولة جنوب السودان المستحيل لتحقيق السلام خلال فترة امتدت لـ5 أشهر من التفاوض بين الطرفين كللت بنجاح وتوقيع اتفاق خاطب جذور المشكلة السودانية, وبعد ان وصل للخرطوم قادة الجبهة الثورية لتنفيذ ما تم توقيعه بجوبا, تم استقبالهم استقبال الفاتحين واحتشد الآلاف بساحة الحرية, معبرين عن رضائهم على ما تم الاتفاق عليه في جوبا باعتباره فرصة لإيقاف الحرب ومخاطبة قضايا التهميش ومشاكل التنمية، وتقاسم السُّلطة والثروة, فكانت تلك توقعات الناس قبل ثمانية اشهر, ولكن الآن وبعد مرور عام, كان لابد أن يكون هنالك جرد حساب والنظر لمستقبل اتفاق السلام الذي يُعد ابرز إنجازات ثورة ديسمبر المجيدة.
قال عضو مجلس السيادة رئيس الجبهة الثورية رئيس حركة تحرير السودان الهادي إدريس بمنبر سونا أمس: إنّ 3 اكتوبر يمثل يوماً عظيماً, حيث تم فيه التوصل لاتفاق سلام جوبا، ونادى الهادي بضرورة جرد حساب لما تم خلال العام منذ توقيع السلام, مؤكدا ان السلام ابرز حدث تم إنجازه بعد سقوط النظام البائد بتحقيق أحد شعارات الثورة المجيدة, مؤكدا ان الاتفاق خاطب جذور المشكلة السودانية والسلام اصبح واقعاً يمشي بين الناس, مُوجِّهاً شكره لحكومة وشعب دولة جنوب السودان وفريق الوساطة على الجهد الكبير الذي بذلوه، لافتاً أنه ليس يوماً لتوقيع اتفاق, لكن يوم للتأمل العلاقة الاستراتيجية بين البلدين, لا سيما أنهم شعب واحد تفصلهم حدود، مشيراً إلى أن الجنوبيين فعلوا المستحيل لتحقيق السلام ودفعوا دم عرقهم على حد قوله.
وقال ادريس: خلال تطوافنا في اغلب ولايات السودان, التقينا بمن لديهم آمال طويلة من السلام، واكد ان السلام فرصة لإيقاف الحرب ومخاطبة مشاكل التهميش، مضيفاً أن هناك آخرين يعتبرون ان السلام لمعالجة الاختلالات في تقاسم السلطة, وقطع نريد جرد حساب لما تم بعد مرور عام للنظر لمستقبل السودان والإقليم، منوهاً لأول مرة في تاريخ توقيع الاتفاقيات في السودان يتم إنجاز اتفاق بهذا الشكل رغم عدم رضاء البعض عن الاتفاق, مشيراً الى ان الاتفاق أوقف الحرب واسكت صوت البندقية, وعاد وقال: ليس صوت البنادق فقط, لكنه حافظ على أرواح الناس، مبيناً أن الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق السلام لم يحدث بينها حتى الآن اي احتكاكات, لأن أسباب الحرب وقفت.
وقطع سنسعى لاستكمال السلام الذي هو أحد أهداف الحكومة الانتقالية وشعار الثورة، مشيراً الى ان الانفتاح الخارجي ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والتعامل مع المؤسسات الدولية سببه اتفاق السلام.
وقال إن هناك إنجازات كثيرة تمت خلال هذا العام من ناحية تحقيق العدالة الانتقالية وإجازة كثير من القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد والعدالة، وأضاف نحن في أطراف العملية السلمية ملتزمون بتسليم المطلوبين دولياً وهي واحدة من أساسيات اتفاق جوبا، مردفاً لا أرى مسؤولاً في الدولة رافضٌ للتسليم، وزاد قائلاً: في حال حدث ذلك سنلجأ إلى رأي الضحايا في هذا الأمر, وأوضح لأول مرة تزور وفود من المحكمة الجنائية السودان ممثلة في المدعية الجنائية المنتهية رئاستها فاتو بنسودا والمدعي الجديد, ولقد زاروا ضحايا الإبادة الجماعية بدارفور وكانوا من المحرمات سابقاً, مؤكداً أن النقاشات جارية على مستوى المجلسين لحسم ملف المطلوبين, مجدداً التزامهم تسليمهم وفق اتفاق جوبا، وقال متحدثاً في ذات الملف: كنا وقعنا مذكرتي تفاهم مع الجنائية لتسليم كافة المطلوبين, حيث أشارت إلى أنها ستفتح مكتباً للاتصال بالخرطوم.
ونفى الهادي إدريس أي اتجاه لتمديد الفترة الانتقالية، مشيراً الى أن اتفاق جوبا نص على ٣٩ شهراً بعدها انتخابات حرة، وأقر بأنّ الوضع غير مقبول بوجود خلافات سياسية، مؤكداً استمرار الشراكة إلى حين الوصول للانتخابات.
وحول المجلس التشريعي وتأخر تكوينه حتى الآن, قال إن المجلس التشريعي يحتاج إلى توافق لأنه مجلس معين لكل السودانيين ليجدوا أنفسهم فيه، مضيفاً لا يمكن تعيين مجلس من جهة واحدة.
وفي ذكرى التوقيع علق قائلاً: إنه ليس يومًا لتوقيع الاتفاق, بل هو يومٌ للتأمل في علاقة الشعبين (السودان وجنوب السودان)، خاصة أن حكومة الجنوب دفعت من قوتها لتحقيق السلام خلال عام و3 أشهر. ولفت إلى أن المشاركة السِّياسيَّة تُعتبر واحدةً من الملفات التي مَضَت للأمام خاصةً مسار دارفور بنسبة 90٪ على مُستويات الحكم المُختلفة.
وأقر بأنّ التحديات والإخفاقات في الاتفاق تشمل عدم إعادة هيكلة مفوضية السلام، عدم الالتزام بتواريخ المصفوفة, خاصةً بند الترتيبات الأمنية.
وأفصح أن هناك حالة من الاستقطاب بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة, التي قال إنها تخصم من رصيد السلام والحكومة, وجزم بأنّهم في قِوى الحرية والتغيير الموقعة على الإعلان السياسي مع وحدة قِوى الثورة لن يسمحوا بإلغاء أو تجميد مسار من مسارات جوبا ويقصد مسار الشرق، وزاد: هذا يعني إلغاء الاتفاق بأكمله, مقراً بوجود أزمة بالشرق, مشيراً إلى أن قوى الحرية والتغيير ظلت تعمل عبر تحالف عريض يدعو إلى التماسك والتكاتف والعمل المشترك ودعم التعايش السلمي, واعاب ادريس التشظي والتراشق الإعلامي, مشدداً يجب تجاوز الخلافات, وقال ان تجربة الشراكة المدنية والعسكرية فريدة ونموذج يُحتذى به, مُنادياً بضرورة مشاركة الجميع حتى الوصول لدولة مدنية، وقال يجب تجاوز المرارات وتناسي الماضي, لافتاً إلى أن الدول العظيمة تُبنى على أنقاض المعاناة لفتح الطريق لجيل المستقبل على حد قوله، مؤكداً الحرص على الشراكة بروح المسؤولية وأبان: لا نسعى لتكوين حَاضِنَة جَديدة, مُؤكِّداً حرص الجبهة الثورية على وحدة قِوى الثورة وضرورة التوصل لتوافق سِياسي, قاطعاً سنكمل مؤسسات الانتقال، وأعاب ادريس تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية رغم التحديات المالية, مقراً بأن البلاد ورثت تركة المؤتمر الوطني الثقيلة، وانتقد الهادي المجتمع الدولي, وقال لقد ظل يتفرّج, حيث لم نر مساهمات من الشركاء الدوليين، لافتاً الى ان ابرز التحديات عدم الالتزام بمواعيد المصفوفة خاصة الترتيبات الأمنية لعدم وجود إرادة سياسية من الطرف الحكومي، مضيفاً لا نبرئ أنفسنا، مشيراً الى أن الاتفاقيات السابقة لم تتحدّث عن ترتيبات أمنية وكل ما تم كان استيعاباً لعدد قليل من قوات الحركات.
وتحدث عن تأخير انعقاد بعض المؤتمرات مثل مؤتمر الشرق ومؤتمر الحكم والإدارة, مضيفاً أن التأخير كان سبباً في تعيين حاكم إقليم دارفور دون انعقاد المؤتمر وأتى بنتائج سالبة، مؤكداً وجود تقدم في بعض الملفات لكن دون المستوى. وأعلن إدريس التزامهم وتمسكهم التام بتنفيذ بنود اتفاق سلام جوبا، داعياً عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور بضرورة انضمامهما لعملية السلام الشامل، الذي لا يستثني أي مكونٍ من مكونات الشعب السوداني على حد قوله، وحيا ادريس حملة مشاعل ثورة ديسمبر المجيدة، وقال إنهم أمل هذه الأمة والقلب النابض لهذه الثورة، مؤكداً عزمهم على تحقيق تطلعاتهم في العيش الكريم وصيانة وحدة الشعب السوداني، وذلك بالحفاظ على ما تواثقنا عليه في الوثيقة الدستورية من شراكة ترعى وتحمي الانتقال حتى الوصول لغاياته المنشودة بتنظيم انتخابات حرة نزيهة, وخص بالشكر الرئيس سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان، لدوره المشهود في تحقيق الاتفاق، كما شكر المنظمات الإقليمية والدولية وكل الدول الشقيقة والصّديقة.