بهاءالدين قمرالدين يكتب : المباحث تُودع تلميذاً قَاصِراً في حراسة الشرطة!
عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً من يوم الخميس الماضي؛ اقتحم اثنان من أفراد المباحث مدرسة (صناع التميز) الخاصة بالحارة (١٠٢) اسكان البشير بمحلية كرري الثورات بأم درمان؛ التي أتولى انا شخصي الضعيف إدارتها وأعمل مديراً لها!
وكان الفردان يرتديان الزي المدني (بدلتان اشتراكيتان)؛ ودخلا المدرسة بدون استئذان وفجأةً وجدتهما أمامي وهما يقولان لي (انحنا عايزين مدير المدرسة)!
فرحبت بهما وأدخلتهما مكتبي وانا اظنهما أولياء أمر طالب, وبعد أن جلسا قالا لي (انحن ناس المباحث وعندنا أمر قبض لطالب عندك هنا دايرين نسوقه لقسم الإسكانات بالحارة “٧٢”), وأوضحا لي أن التلميذ تشاجر مع أحد أبناء الجيران (بحلة العرب) بإسكان البشير وسبب له الأذى الجسيم وقاما بإخراج أمر القبض باسم التلميذ القاصر المتهم تحت المادة (139)!
فقلت لهما إن قوانين ولوائح وزارة التربية والتعليم تمنع اقتحام أفراد الشرطة للمدارس واقتياد التلاميذ إلا بعد إخطار وزارة التربية والتعليم وبخطاب رسمي من الوزارة؛ بيد أنهما رفضا ذلك وأصرّا على اقتياد التلميذ القاصر الذي يبلغ من العمر خمسة عشر ربيعاً (15) سنة؛ فقلت لهما طالما أنكما مصران على اقتياده فيجب أن تتحمّلا المسؤولية الكاملة في ذلك؛ وقلت لهما وأنا بصفتي مديرٌ للمدرسة ومسؤولٌ عن هذا التلميذ سوف أذهب معكما إلى قسم الشرطة؛ ثم قاما باقتياد الطالب من صف الصلاة وخرجا من المدرسة وركبا (ركشة) كانت تنتظرهما عند باب المدرسة وركبت معهما برفقة التلميذ القاصر وتوجّهنا إلى قسم شرطة الإسكانات بالحارة (٧٢) بمحلية كرري!
بعد أن وصلنا القسم في زمن استغرق ربع الساعة تقريباً؛ وعند باب القسم وجدنا الضابط المناوب وهو برتبة نقيب وأخرج له فرد المباحث أمر القبض وهو بدوره قام بالتوقيع عليه ووجّه بإدخال التلميذ القاصر إلى حراسة القسم؛ وأوضحت له أني مدير المدرسة التي تم اقتياد الطالب منها وهو قاصر وأنا ارى أن لا يتم إدخاله إلى الحراسة مع عُتاة المجرمين وهو طفلٌ صغير السن!
لكن النقيب قال لي هذا أمر قبض ويجب أن يُنفّذ فوراً ويُمكننا إحضار شهادة الميلاد, حيث يمكن تحويله إلى شرطة حماية الأسرة والطفل بعد عرضه على وكيل النيابة بعيد صلاة المغرب ومن ثم يُقرِّر بشأنه, بتحويله أو دفع غرامة لأنّ البلاغ بأذى جسيم!
وتم إدخال الطفل إلى حراسة القسم وزُجّ به وسط عُتاة الُمجرمين والقتلة واللصوص والعصابات المُنفلتة وبقي فيها من الساعة الثانية ظهراً إلى ما بعد صلاة العشاء!
ثم بعد ذلك حضر بعض أفراد أسرة الطفل وأحضروا معهم شهادة ميلاده ورقمه الوطني وتم التحري معه وتم تصديق ضمانة له, وأطلق سراحه وعدنا مع أفراد أسرته إلى منزله في (حلة العرب) بإسكان البشير!
ويعلم الله كان ذلك يوماً قاسياً وعصيباً للتلميذ القاصر أمضاه وسط عُتاة المُجرمين, بيد انه كان صامداً وقوياً وشجاعاً رغم صغر سنه ولم ينكسر!
ورغم الموقف الحزين, لكن كان المجرمون داخل الحراسة يتعاملون مع التلميذ بلطفٍ وعطفٍ لصغر سنه, وقال له بعضهم وهو يغادر الحراسة (إن شاء الله تاني ما تجي هنا وواصل قرايتك يا ولدنا وما تبقى مجرم زيّنا وإن شاء الله تبقى دكتور أو ضابط أو رئيس وزراء)!
والسؤال الذي نُوجِّهه للسيد وزير الداخلية هل من حق الشرطة والمباحث اقتحام مدرسة بهذه الأسلوب الإرهابي واقتياد التلاميذ القُصّر والزّج بهم في الحراسات ومخافر الشرطة بين عُتاة المُجرمين والقَتَلَة؟!.
وما هو موقف وزارة التربية والتعليم من مثل هذه التعديات من قبل أفراد الشرطة والمباحث في حق الطلاب والتلاميذ؟!
وبقي أن تعلم عزيزي القاريء أنّ ذلك التلميذ المقبوض عليه والذي أودع حراسة الشرطة مهذبٌ محترمٌ ومتفوقٌ في دروسه ولم ياد الى قسم الشرطة من قبل؛ وقطعاً تلك الحادثة خلّفت جرحاً في قلبه!
وأما الجريمة التي تم الزّج به بموجبها في الحراسة, فهي مشاجرة بين أخيه الأصغر منه وطفل الجيران, كانت قد حدثت قبل ستة أشهر وانتهت بتوجيه الطفلين من قبل الآباء فهم جيران وأهل, لكن تم تحريك البلاغ الكيدي والتوصية عليه من (فوق) حسب حديث أفراد المباحث أمامنا!
وختاماً.. نسأل مَن يحمي فلذات أكبادنا والتلاميذ في مدارسهم من مثل هذه التعديات الخطيرة؟!
وهذا بلاغٌ مفتوحٌ للسيد وزير الداخلية ووزير التربية والتعليم في بلادنا, وحمى الله الطلاب والتلاميذ وفلذات الأكباد مستقبل البلاد الزاهر وغدها المشرق.
بهاء الدين قمر الدين معلم وصحفي ومدير مدرسة (صناع التميز) بالحارة (102) إسكان البشير بمحلية كرري الثورات بأم درمان.