جاء الاسم من دارجيتنا السودانية (يدكن) أي يخفي وأظنها ترجع إلى دكَّن الشَّيءَ: صيّره أدكن دكَّن اللَّوْنَ. وهذا يعني إخفاءه في ظلمة. عموماً كلمة دكاكيني اقترنت في فترة من الفترات بكلمة غناء حيث كان هناك نوع من الغناء ما يُعرف بـ(الغنا الدكاكيني) الذي لا يخرج للضوء وإن خرج لا يتم الاعتراف به في مسيرة أي فنان أو شاعر أو ملحن ويبقى مجهول النسب لا لشيء إلا لنظرة الفنان لمشروعه واستشعاره مسؤولية الكلمة وتأثيرها على وجدان السامعين.
قديماً في جلسات الأنس والضحك تخرج مثل تلك الأغنيات والمونولوجات كدعابات وكنوع من الظرف اللطيف الذي يخرج عن شكل الغناء الجاد وتناوله بعمق الكلمات وصدق المشاعر. فتظل الكلمات آخر همّهم لأنّ تلك الأغنيات تخرج ويعلم صانعها أن مدة صالحيتها لا تتجاوز مدة الجلسات تلك فعمرها قصير، إذ لا يحتفظ بها الوجدان السليم طويلاً فينتهي الغناء الدكاكيني بانتهاء مراسم الجلسة الدكاكينية.
في هذا الزمن المفضوح ما عاد للغناء الدكاكيني حياء وخجل، بل (فسخ) وأصبح على أحدث التسجيلات ويُبث في معظم الوسائط، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل مسرحاً مفتوحاً يعرض فيه كل فنان وكل مدعٍ ما لديه.
ونحن بضغطة زر نضيئ أغنيات لا تصلح إلا أن تعيش في ظلمتها ودكاكينيتها وندخلها بيوتنا.
ولا ندري مَن المُلام على هذا الواقع الغريب. هل هم الشعراء أم الملحنون أم الفنانون أم الذوق العام الذي جعل منهم نجوماً ومن الغناء الدكاكيني غناء بيوت الأعراس والمسارح العامة، أم نلوم غياب المفردة التي نذوق طعمها واللحن الذي يجعل لها روحاً والصوت الذي يزرعها في قلوبنا، فإن كان غيابهم قسراً نسأل الله أن يعيدهم ونحن سنكون في استقبالهم بقلوب عطشانة لذلك الجمال. كما نستقبل هذه الأيام الفنان الإنسان الجميل أسامة الشيخ ونقول له زيارتك أسمى غاياتنا ونتمنى لك إقامة طيبة بين أهلك وأحبابك وتصدح لك الأرواح (لازم تعمل حفلات قبل ترجع).
تلويحة أخيرة:
أنا كذبت عليك يا غالية .. أنا يوماتي حبيبتي بخونك
لما تغيبي بغازل طيفك .. ولما تجيني بدوب في عيونك
أيوة بخونك مع بسماتك .. رصات الدر في سنونك
أيوة بخونك بيك وبلاكي .. جداً إني بخونك
أيوة بخونك بيني وبينك .. ولما تكوني بعيدة وسارحة
أيوة بخونك مع خصلاتو .. وشعرك موجة ليلي الطامحة
أيوة بخونك وإنتي قوامك .. قوام المهرة الجامحة
أيوة بخونك وعارف إنك .. طيبة وإنك ديمة مسامحة
أنا لو خنتك مع زول غيرك .. إلّا أكون أنا واحد غيري
وإلاّ يكون القلب اتبدّل .. وفكري اتغيّر من تفكيري
وإلاّ يكون الزمن إتحوّل .. وإلاّ أكون موّت ضميري
أنا لو خنتك مع نظراتك .. ما من حقك إنو تغيري
محمود الجيلي