من أكثر المؤسسات التي تثير ممارساتها الشكوك حولها، سكن الفساد مفاصلها وترعرع وتنامى حتى كاد أن يبلغ الجبال طولاً ، ومع أنها من المواقع التي تشكل خطورة على حياة الناس، وبسوء إدارة هذا الملف قد حصلت عندنا كوارث عديده ومتعددة، إضافة إلى ما يحدث وما حدث في السنوات الماضية في هيئة الطيران المدني، قبل أن يتم تقسيمها لشركات، وتبقى سلطة الطيران المدني قابضة على أنفاس بقرة الفساد العريض. وإذا كان مجموعة من النواب قد حاولوا إصلاح الأوضاع في مطار الخرطوم وغمس أيديهم في جراب الدقيق المسمى بشركة كمون، الأخطبوط الذي ربط نفسه مباشرة برأس الدولة السابق، وتمتع بحماية جعلت حتى البرلمان عاجزاً عن محاسبة النافذين فيها.
فإن واحدة من القضايا التي ينتظر النظر فيها الأيام القادمة قضية الطيران المدني وصفقة الطائرات، والتي تمت الموافقة عليها استثناءً للعمل كطائرات بضائع رغم تجاوز عمرها العشرين عاماً، وهذا في حد ذاته تجاوز للضوابط والشروط ولكن أم المصائب أنه سمح للشركة أن تعمل في نقل المواطنين بهذه الطائرات في عمليات فساد ممنهج، والتصديق المتدرج، أولاً تجاوز الموافقة في البضائع ثم الركاب، بل تمدد الفساد خارج الحدود والسلطات وخداع الدولة الخليجية الكبيرة بأن تسمح لطائرات شركة تاركو للطيران الهبوط والإقلاع وحمل الركاب من مطاراتها، وهي لا تعلم أن الطائرات خلفها ألف حكاية، بسماح سلطات الطيران المدني في يوم الحادي والثلاثين من شهر مارس عام ٢٠١٥ بموجب الخطاب بتاريخ سبتمبر ٢٠١٥ موقع باسم يحيى حسن الهدي- مدير دائرة السلامة- هذا الخطاب الكارثة أصبح وثيقة، فتحت الباب واسعاً لفساد غير مسبوق في التاريخ، فكيف كسرت أعناق اللوائح وذبح القانون، وسمحت سلطة الطيران المدني باستخدام طائرات مخصصة لنقل البضائع لتجوب أجواء المنطقة باسم السودان وتعمل في نقل الركاب بدلاً من البضائع ؟؟
من المسؤول عن كل ذلك ؟ وكيف تم التزوير؟ ولماذا لجأت شركة تاركو للطيران إلى بعض المتنفذين في الحكومة السابقة ووضعتهم في مقام مدراء الشركة، التي شهد ملفاتها في الأيام الاخيرة تصاعداً في النزاع بين الشركاء وفاحت روائح نتنة باستخدام أطراف منهم آليات الدولة وسلب طرف آخر وهو داخل سجون النظام السابق في أغرب وأكبر واقعه قهر واحتيال وبلطجة وتشويه صورة وسمعة بصوره قوية، تم استخدام كل الأسلحة من دجاج الكتروني وبعض الأقلام التي تكتب بتوجيهات من النظام عن رجل مع قهر السلطات له، وهو ذات ما حصل على غرار الصراع في ملف شركة كنار للاتصالات بين الفاتح عروة وفضل محمد خير ، ليذهب الأخير للسجن بحجة مخالفات مصرفية في شركة تاركو و يرغم على التنازل من حقوقه ويدفع خمسين مليون دولار أمريكي من أجل فدية روحه والخروج من سجون الأمن الانفرادية ومن التنكيل والبلد كلها.
وعندما خرج الرجل من السجن وجد الشركة قد ذهبت ملكيتها إلى جهات أخرى بمساعدة موظفين من سلطة الطيران المدني، والتي يرأس مجلس إدارتها الفاتح عروة، بدأ الآن في إجراءات حيال تاركو أمام المحاكم، وكذلك حيال كيفية تحويل طيران بضائع إلى نقل ركاب.
لكن بحمد الله في أقل من ثلاثة أشهر انهار نظام الظلم،
وقد رفع الرجل عبر محاميه طلباً لنائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي لإلغاء التسوية التي فرضت عليه، وتقديمه لمحاكمة علنية، حتى يعلم الشعب السوداني ما كان مخفياً تحت الأوارق وما وراء السجون من ضحايا .
فتح ملف الطيران المدني من شأنه الإجابة على أسئلة عديدة عن حالات سقوط غامضة لبعض الطائرات في السنوات الماضية، ويعيد حقوقاً أهدرت وأموالاً أكلت، فمتي يفتح هذا الملف المثير الخطر؟