حمدوك لـ(رئيس البنك الدولي): لا خيار لدينا غير إنجاح الانتقال
الخرطوم ــ الصيحة
اعتبر رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك زيارة رئيس مجموعة البنك الدولي للسودان أنها تكتسب أهميتها من حقيقية أن آخر زيارة لرئيس البنك الدولي كانت قبل حوالي خمسين عاماً، لحضور توقيع اتفاق أديس أبابا للسلام لإنهاء الحرب الأهلية بالبلاد.
وانعقدت برئاسة مجلس الوزراء, جلسة مباحثات مشتركة بين السودان والبنك الدولي، ترأس الجانب السوداني رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، فيما ترأس جانب البنك الدولي رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس، الذي يزور البلاد ليقدِّم خطاب البنك الدولي السنوي من الخرطوم.
وقال حمدوك إن خطاب البنك الدولي السنوي من الخرطوم، خطوة “رمزية تاريخية” سيتذكرها الشعب السوداني، ونعتبره دعما كبيرا للمرحلة الانتقالية بالبلاد.
وأشار إلى أن هذه الزيارة تأتي في وقت يمر فيه السودان بتحولات كبيرة مشابهة، وهي ثورة ديسمبر المجيدة التي غيّرت وجه السودان مرة واحدة وللأبد.
وقدّم رئيس الوزراء خلال الجلسة, شرحاً حول مسار الانتقال الديمقراطي بالبلاد، حيث ذكر لرئيس البنك الدولي أن زيارته تأتي مع انتصاف فترة الانتقال المعقد الذي تمر به البلاد من الحرب للسلام ومن الديكتاتورية للديمقراطية والحكم الرشيد، ومن الانهيار إلى الاستقرار الاقتصادي والنمو الإيجابي، ومن العزلة الدولية إلى الاندماج الكامل في المجتمع الدولي، معتبراً زيارته هذه أوفى تعبير على فكّ عزلة السودان الدولية.
كما أوضح رئيس الوزراء أنّ مُحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة الأخيرة كانت مؤشراً لدرجة التعقيد والمخاطر المُحيطة بهذا الانتقال الديمقراطي التاريخي للبلاد، ما يتطلب حشداً أكبر للموارد من المجتمع الدولي، وتعميق واستمرار التأكيد على رسالة أن هذا الانتقال لا بُد أن ينجح، وأضاف قائلاً “نحن من جانبنا فإننا مقتنعون بأنه لا خيار لدينا غير إنجاح نموذج الانتقال السوداني برغم ما يصاحبه من تعقيدات، سنعمل على حلها بكل صبر ومسؤولية”.
وأشار رئيس الوزراء لتطور عملية السلام بالبلاد، مؤكداً أن الحكومة أنجزت المرحلة الأولى من عملية السلام وتمضي بخطى حثيثة لإنجاز المرحلة الثانية من السلام مع الرفاق في الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، مُوضِّحاً أن أي تقدم في المجال الاقتصادي يصبح بلا معنى ما لم يتوفّر الدعم اللازم من البنك الدولي والشركاء الدوليين لتطبيق اتفاق السلام وضمان مخاطبة محنة المواطنين من النازحين واللاجئين في توفير الخدمات (البنية التحتية والخدمات الصحية وغيرها) لهم، بالإضافة لفرص العمل.
وقدم رئيس الوزراء, شرحاً حول الإصلاحات الاقتصادية التي تم تطبيقها خلال الفترة الماضية كجزء من البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي، مشيراً إلى أنّ الإصلاحات التي قامت بها الحكومة كانت قاسية وصعبة على المُواطنين ولكنها ضرورية، وأشار إلى بداية ظهور “الضوء في آخر النفق” متمثلاً في ظهور النتائج الأولية لتلك الإصلاحات في استقرار سعر الصرف، وانخفاض معدل التضخُّم، واستعادة الاقتصاد لقُدرته على النمو الإيجابي.
كما قدّم رئيس الوزراء، سرداً للمجالات التي يتوقع فيها السودان دعم البنك الدولي، مبيناً أنّ السودان يتوقع من البنك الدولي أن يرى تسارعًا في مُحركات النمو، وقال (كما نود أن يشرع البنك الدولي وأصدقاؤنا وشركاؤنا في تحريك موارد استثمارية ضخمة للاستثمار في القطاع الزراعي والتصنيع المعتمد على القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، حيث يمثل القطاع الزراعي 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد على هذا القطاع 60-65٪ من الشعب السوداني، لذا فإن التصنيع المعتمد على الزراعة سيكون قاطرة الاقتصاد السوداني لوضعه على الطريق الصحيح).
وأوضح رئيس الوزراء أن السودان لديه إمكانيات هائلة في مجال الطاقة المتجددة وميزات تفضيلية هائلة فيما يتعلق بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ونوه إلى أن قطاع الطاقة هو الأساس لإقلاع الاستثمار وإطلاق ممكنات الاقتصاد، وأشار رئيس الوزراء كذلك لتوقع السودان استثمار موارد في قطاع البنية التحتية (البنية التحتية والسكك الحديدية والمطارات.. وغيرها)، بالإضافة لقطاع التعدين.
وركّز رئيس الوزراء على أن السودان يتوقع فوق كل شيء أن يعمل البنك الدولي ومختلف الشركاء مع الحكومة في إعطاء الأمل للشباب، فمن الصعب جدًا رؤية المواهب الشابة تأخذ هذه الرحلة الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط. وأشار رئيس الوزراء إلى أن السودان يتوقع من البنك الدولي العمل معه على استقرار الاقتصاد الكُلي وتحسين بيئة الاستثمار ودعم الموازنة.
من جانبه، أشار وزير المالية جبريل إبراهيم إلى أن السودان ظلّ محروماً لقرابة الثلاثة عُقود من الوصول للموارد المتوفرة لدى المؤسسات المالية الدولية، مَا أدى لحدوث فجوة تنموية كبيرة بالبلاد، وبالتالي عدم قدرتها على تحقيق أي تقدم في أي من مؤشرات التنمية فيما يخص أهداف التنمية المستدامة، أو التنمية البشرية.
كما تناول وزير المالية، قضية التحويلات من وإلى البنوك السودانية، حيث أنه ورغم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإصدار قرار من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، إلا أنه لا يزال القطاع المصرفي يواجه عدداً من التحديات مع البنوك الأمريكية والتي تعوّدت البنوك العالمية على تقليد ما تفعل. وفي ذلك الصدد أشار رئيس البنك الدولي لإمكانية تقديمهم الدعم، موجهاً بالتواصل مع مكتبهم القُطري للترتيب وحلحلة هذا الملف.
من جانبه، أبدى رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس خلال جلسة المباحثات، تأمينه على الشرح الدقيق والمفصل الذي قدمه رئيس مجلس الوزراء، مؤكداً أن البنك الدولي يتعاون مع السودان منذ فترة، مُعبِّراً عن تقديره الكبير للعمل الشاق والإنجازات التي تحققت خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أنها أمر صعب الحدوث، وأمن كذلك على حديث حمدوك الذي أشار فيه إلى أن اقتصاد الدول يُبنى على قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني.
وأكد مالباس توافر إرادة إيجابية كبيرة لدى المجتمع الدولي لدعم السودان في مختلف المجالات، مستدلاً على أن وصول السودان إلى نقطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بمبادرة الهيبك للدول الفقيرة المثقلة بالديون خلال هذه الفترة القصيرة تمثل أمراً غير اعتيادي، ولم يحدث في أي مكان في العالم من قبل، مؤكداً كذلك أن البنك الدولي سيعمل مع الحكومة ووزارة المالية والبنك المركزي في قضايا مثل معالجة عجز الموازنة.