كنت قد اطلعت على خبر عن إضراب أكثر من ألفي سجين بسجن الهدى غرب أمدرمان محكومين في قضايا مخدرات عن تناول الطعام مطالبين بزيارة نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو لسماع قضاياهم بخصوص العقوبات المشددة التي أقحموا بها في السجن في عهد حكومة الإنقاذ.
مطالبهم انحصرت في زيارة الفريق أول حميتي لتخفيف العقوبات القضائية التي نالوها في عهد الإنقاذ وأن معظمهم محكوم بالمؤبد 20 عاماً.
*2*
الخبر استدعى كتابتي لعمود يوم 7 مارس خاطبت فيه الفريق أول قوش رئيس جهاز الأمن السابق بالعفو عن محكومات الطوارئ من النساء وطبعاً جلهن سياسيات وذلك مع مناسبة اليوم العالمي للمرأة 8 مارس.. والحمد لله تمت الاستجابة فوراً يوم الجمعة بعد يوم من نشر المقال.
مخاطبتي لرئيس جهاز الأمن لأن كل الأحداث آنذاك لم تنفك علاقتها بالارتباط مع الجهاز.. فكانوا هم الخصم والحكم.
*3*
وفي هذا المقال ناشدت أهل القانون بدءاً بوزير العدل والنيابة العامة والقضاء بالنظر بعين الاعتبار للنزيلات ذات الأحكام الطويلة تحديداً محكومات الماده 154 مخدرات.. أولاً لأنهن نساء، والفترة طويلة جداً وبعضهن محكومات بالمؤبد ولديهن أطفال وأسر يتراوح عدد الأطفال ما بين 11 طفلاً و9 و7 أطفال.. نصف العمر يضيع وتخرج النزيلة والمستقبل قاتم والأبناء ضائعون والبيت مخلع ومشلع.. ونظرة المجتمع قاتلة..
*4*
أول أمس زارني بالصحيفة الشيخ الصادق حسن عثمان طه إمام مسجد سعد قشرة سابقاً وإمام مسجد جبل البوم حالياً وهو شاهد عيان لأحداث استنكرها، وهو كان موقوفاً في الانتظار بأحد السجون بالخرطوم.. وهو رجل داعية يعرفه كثير من الصحافيين تصدى للهجوم على الإنقاذ وقيادتها.. وعرف بخطبه النارية في مجتمع المعدنين ضد الحكومة.
حضر للصحيفة فسألته مؤكداً كنت من قيادات التغيير بالقيادة.. قال لي للأسف لم أشارك بسبب وجودي بالسجن منتظراً بسبب خلاف في مسألة التعدين التقليدي من 23 مارس حتى 25 أبريل والآن تم شطب البلاغ.
*5*
حكى أنه عندما تسلم المجلس العسكري بقيادة الفريق البرهان السلطة فرح كل النزلاء بقسم المنتظرين، هتفوا هتافات الثورة فاعتبرت إدارة السجن هذا نوعاً من أنواع الشغب، فأطلق علينا البمبان في مكان محصور 1200 متر، وقال إن عددهم 1200 منتظر، ثم دخلوا علينا بجنود مكافحة الشغب، وزارتنا رتبة كبيرة من خارج السجن نحتفظ باسمه وقام بتهديدنا في حالة استمرار الهتاف الذي يعتبرونه شغباً، قال سنواجهكم بالذخيرة الحية.. ولإرهابنا قال اليوم قتل أكثر من 14 نزيلاً بالسجن السياسي المعروف.
ثم فوجئنا في الصباح الباكر بدخول كل قوة السجن قسم الانتظار، وأخرجوا مجموعة من الشباب تم ضربهم وأجبروا كعقاب على أن يؤدوا (رقيص العروس وإطلاق الزغاريد )، ومن يرفض يجلد وكنا نرى ونسمع الرقص والزغاريد.
*6*
يواصل شيخ الصادق حديثه قائلاً إن قسم الانتظار معروف باسم كولمبيا..!!؟ وإن حماماته فقط 12 تقابل 1200 منتظر، وقد يزيد عددهم و5 من الحمامات دون أبواب.. وبعد المغرب تمارس فيها أشياء خارجة عن القانون.
*7*
من ملاحظاته وهو يحمل معه شهادة 10 من الذين تم إطلاق سراحهم وعدد قدرهم بداخل السجن أن إدارة السجن تقوم بمصادرة أموالهم وتلفوناتهم ومعجون الأسنان والأواني المنزلية التي تأتي من منازلهم بالطعام.. يسمحون بدخولها ويقولون بعد ذلك هذا إجراء غير قانوني..
والمصادرة تتم في التفتيش الدوري وأنت في طابور التمام..
أحد المنتظرين وهو رجل كبير في السن يعاني من السكري والبروستاتا والتبول اللا إرادي تم جمع مال لعلاجه وتمت مصادرة المبلغ من أحد السجانين أمام النزلاء وعندما احتج للمدير قال له المبلغ ذاتو قليل لن يعالجك.
*8*
الانتظار لصرف نصيب 6 أرغفة للنزيل يتم ذلك عبر طابور طويل لـ 1200 منتظر يستغرق الأمر أكثر من 3 ساعات…
*9*
من تواصل معي من المنتظرين بعضهم ما زال رهين أحكام الطوارئ رغم الإعلان عن إطلاق كل المحكومين.
قبل أن أختم أود أن أشير إلى أنه وفقاً للدستور
السوداني والقوانين التي تضمن حقوق النزلاء- ونحن لدينا 114 سجناً تتوزع بولايات السودان- فقد نصت جميعها على مجموعة من الضمانات تتمثل في
ـ أن يراعى في معاملة النزلاء أن السجن إصلاح وتهذيب وتأهيل وفقاً للقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بمعاملة النزلاء. تهيئة السجون بما يتناسب مع كرامة الإنسان وآدميته.. ولنا عودة..