الخرطوم- رشا التوم
أبدى البنك الدولي حُسن النوايا تجاه دعم البرامج الاقتصادية لحكومة الفترة الانتقالية من خلال التواجد ضمن عدد من المبادرات والبرامج مع دول نادي باريس والرياض وغيرها تمهيداً لعودة السودان للمجتمع الدولي عقب الغياب خلال فترة 30 عاما الماضية. وبدورها أدركت الحكومة السودانية الفرصة الكبيرة التي أتيحت لها للتقدم لتحقيق الانتقال الاقتصادي وصولا إلى نمو ثابت وراسخ في المجالات الاجتماعية وتخفيف الفقر وتحريك الصيرفة وتعزيز علاقات المصارف، وفي اول زيارة لرئيس البنك الدولي للسودان بالأمس، ارتفعت التوقعات بإيجاد التمويل وتوفير المنح والقروض لتمويل مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد بقطاعات الكهرباء والصحة والتعليم، وتوسيع مظلة الدعم الاجتماعي للأسر عبر برنامج (ثمرات) لامتصاص الآثار الاجتماعية لسياسات الإصلاح الاقتصادي، بجانب استمرار دعم البنك الدولي لجهود الحكومة لمواجهة جائحة كورونا، بينما يتوقع ان ترسل زيارة رئيس البنك الدولي للسودان، رسائل للمستثمرين والمانحين بأن السودان مهيأ لاستقبال تدفق المنح والقروض والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى مجهودات كبيرة قدمتها الحكومة في تحسين بيئة الأعمال والتعاون مع الشركاء الدوليين.
تخطي الصعوبات
وأعلن رئيس مجموعة البنك الدولي، دايفيد مالباس، استعداد البنك وصندوق النقد الدوليين، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وفرنسا، لمساعدة السودان لتخطي الصعوبات الاقتصادية ودعم الانتقال الديمقراطي في السودان. وكشف مالباس، عن نقاش أجراه مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عن الوضع الاقتصادي في السودان، وكيفية مساعدة البنك الدولي في تحسين الوضع الاقتصادي، ومساهمة المجتمع الدولي في دعم الانتقال في السودان. وأوضح أنه حضر السودان في معية وفد على مستوى عالٍ من البنك الدولي لمساندة السودان لعبور المرحلة الصعبة، ونوه إلى أن الزيارة ناقشت الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السودان والإنجازات المهمة التي حدثت في البلاد خلال العامين الماضيين. وهنأ مالباس، السودان بالوصول إلى مرحلة اتخاذ القرار، وهي المرحلة التي تجعله مؤهلاً لاستقبال المساعدات الدولية. وأكد أن السودان ينتقل من مرحلة الحاجة الى مرحلة تحسن الأوضاع الاقتصادية، وطالب الشعب السوداني بالعمل مع الحكومة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية.
تمويل مشروعات
فيما أعلنت مستشارة وزير المالية للتعاون الدولي، هبة محمد علي، عن اتفاق مع البنك الدولي، لتُمول المؤسسة الدولية للتنمية 17 مشروعا كبيرا، تشمل الطاقة والري والزراعة بتكلفة ملياري دولار.
وسدَّد السودان ديونه للبنك الدولي في مارس 2021، بقرض تجسيري من أمريكا، مما جعله مؤهلاً لتلقي تمويل تنموي. وتعتبر زيارة رئيس مجموعة البنك الدولي دايفيد مالباس إلى الخرطوم، الأولى من نوعها منذ قرابة 50 عامًا.
رسائل مطمئنة
من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم د. محمد يوسف ان زيارة رئيس البنك الدولي السودان تعد موافقة من المؤسسة الدولية المهمة وتؤكد صحة النهج الاقتصادي للحكومة وبالتالي هذا يؤدي إلى دفعة معنوية لتمضي حكومة الفترة الانتقالية قدماً، وقال إن الزيارة تقدم طمأنينة للمستثمرين والدائنين والمانحين وكذلك العاملين في القطاع الاقتصادي وتعزز من ثقتهم في أنفسهم، وأضاف أن البنك الدولي مؤسسة اقتصادية ضخمة اتفقنا او اختلفنا معه ولديه نفوذ واسع على مجمل الاقتصاد والسوق العالمي، وزيارة رئيس البنك عقب مضي 50 عامًا للبلاد ومخاطبته العالم من السودان مسألة إيجابية فيما يتعلق بأداء الحكومة الانتقالية على وجه الخصوص بالإضافة الى المجهودات الخاصة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك ونتائجها المباشرة سواء الدبلوماسية او الاقتصادية، وأشار الى ان تخصيص البنك الدولي مبلغ ملياري دولار للسودان خصصت لها 17 مشروعا في مجالات الري والزراعة والكهرباء والبنى التحتية وحال تم توظيفها بطريقة صحيحة، فإن النتائج المتوقعة ممتازة وفي حال سوء إدارتها فلن ننتظر منها خيراً وتؤدي الى تراكم الدَّين والعجز عن السداد بموجب الاتفاق، ونادى بأهمية الاختيار السليم للمشروعات ذات المردود السريع والمؤثر على بقية القطاعات الاقتصادية، ودعا الى توفر إدارة فنية ذات قدرة كبيرة لإدارة المشروعات، وشكك في جهاز الخدمة المدنية الحالي، ووصمه بأنه لا يستطيع توظيف الأموال للمشروعات، ووصفه بالضعف وعدم الجاهزية في كافة المجالات والقطاعات التي سوف تضخ لها الأموال، وحذر من مغبة ان يصبح مصيرها مصير القروض السابقة التي أُهدرت بسبب ضعف الكفاءة والفساد والمحسوبية، وأشار إلى أن تلك الأموال سوف تتحول إلى قيد جديد يعرقل مسيرة الاقتصاد في المستقبل.
ثمن غالٍ
وفي اتجاه مغاير، يرى عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير التجاني حسين ان ما يقدمه البنك الدولي هو عبارة عن مشروعات ولكن في المقابل ندفع ثمنها غالياً، نتيجة الزامنا بتطبيق إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين على الاقتصاد الوطني المتمثلة في رفع الدعم عن السلع وتخفيض قيمة الجنيه السوداني وتحرير الدولار الجمركي، وتخلي الدولة عن دورها في الاقتصاد وتركه للقطاع الخاص والشركات الأجنبية، وقال التجاني إن كل هذه السياسات هي جزء من سياسة الصدمة التي تستهدف خنق الاقتصاد الوطني والتضييق على المواطنين في معيشتهم للدرجة التي تضطرهم الى القبول بسياسات لا يمكن أن يقبلوا بها في الأوضاع الطبيعية مثل سيطرة الشركات الأجنبية على موارد البلاد وهذه نظرية وضعها اقتصادي معروف وتطبقها أمريكا عبر البنك والصندوق الدوليين، ولذلك نحن علينا العمل لإعادة التفاوض مع البنك والصندوق الدوليين على أساس عدم التدخل او التأثير على سياساتنا الداخلية، وذلك لان اوضاعنا الاقتصادية لا تتحمّل تطبيق مثل هذه السياسات القاسية والتي تحرمنا من حشد مواردنا الداخلية وتطوير الاقتصاد الوطني وفق رؤيتنا الذاتية، وأكد أن الخضوع للإملاءات الخارجية هو أخطر ما يواجه الاقتصاد الوطني في المرحلة الراهنة، وأشار الى طرح خطة لحشد الموارد الداخلية منذ العام 2019م وتبعها المؤتمر الاقتصادي القومي الذي اختط طريقا لإصلاح وإعادة بناء الاقتصاد الوطني، غير أن وكلاء صندوق النقد والبنك الدوليين ساروا في الاتجاه المعاكس واحدثوا ضررا كبيرا في الاقتصاد وحياة المواطنين والتي تحولت إلى جحيم ولا سبيل أمامنا سوى الرجوع إلى برنامج ثورة ديسمبر المجيدة المطروح في البرنامج الإسعافي وفي مقررات المؤتمر الاقتصادي والبرامج التي طرحتها اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير.