× والوحوش تجري في الغابة.. القوي يأكل منها الضعيف.. وغابات الوحوش وغابات الإنسان لا فرق بينها.. في كثير من غبات الإنسان القوي يأكل منها الضعيف.. الأسد في غابات الوحوش يستأثر أولاً بفريسته حتى لو اصطادتها “اللبوة” ويترك الباقي لأسرته, ثم من بعده تأتي بقية الحيوانات الأضعف والطيور, لذا جَرَت على هذه مقولة “فلان له نصيب الأسد”..!!
× والذي له نصيب الأسد من الانسان قد يكون متقلداً منصباً مرموقاً أو يكون متميزاً بجاه مسبوق أو يكون ذا مال وسلطان أو يكون قد تحصل على المال بشتى الطرق.. والناس في غابات الوظائف أسود وضباع وثعالب و… و…. وكذلك مساكنهم درجات وولائمهم درجات.. والكل من هؤلاء وأولئك يجري جري الوحوش ولكن غير رزقوما بحوش!!
× فغابات الأسواق عند “بني الإنسان” هي إحدى الغابات والأدغال الوعرة والخطيرة، فكثيرون يتربّصون ببعضهم البعض وبفرائسهم بأي ثمن، كثير منهم لا يفرق بين الحلال والحرام كل غايات هؤلاء أن ينقضوا على الفريسة سواء بالتربص أو الخداع أو التدليس.. أو البضائع المضروبة أو بالعملة المُزيّفة أو بالمُستندات المغشوشة المُزوّرة أو بالمغالاة في الأسعار أو غسل الأموال أو بأي حال من الأحوال..!!
× ولكن لا يدري هؤلاء أن الفرد منهم لا ينيبه مما يفترسه إلا القدر اليسير ويترك الباقي لأفراد أسرته يتقاسمون الحرام في حضرته أو بعد مدته, والباقي يذهب لباقي الكواسر الذين يتربّصون أيضاً به.. فكما يقول المثل: يذهب الحرام حيث أتى..!!
× أما غابات الجاه أو الصولجان فينطبق عليها ما ينطبق على غابات الأسواق، غير أن الأخيرة هي الأخطر, لما تتّصف به من الدسائس والمُؤامرات والحفر والمطبات وبالتنازُع والصِّراعات ولعل ما نشاهده يومياً عبر التلفاز وما تعرضه الفضائيات أصدق مثال على ما نقول. فالعالم كله يغلي كالمرجل وليست وحدها الكرة الأرضية المُلتهبة المُصابة بالحمى والانفجارات والزلازل والبراكين والفيضانات فاليوم وفي زماننا هذا نشاهد عبر القنوات الوثائقية المتخصصة حال الغابات وما يدور بها من صراع بين الوحوش تماماً كما نشاهد عبر نشرت البشر ذات الصراع ولكنه الأخطر.. فالكل يجري.. ونجري جري الوحوش غير رزقنا ما بنحوش.
× إن الجري سمة من سمات العالم حولنا, فالأرض تدور وهي تجري والشمس تجري لمستقر لها وهي بذلك تجعل الليل والنهار يجري والأسابيع والشهور والنيل يجري ويغني له المغني: أجري يا نيل الحياة وكذلك فالأنهار والبحار, حتى الدموع إذا ما أحس الإنسان بأن الكل يجري ولا يحققون شيئاً فإن دموعه أيضاً تجري.. لذا فإن الجري أصبح رياضة عالمية تقام لها المسابقات والمونديالات وترصد لها الكأسات والميداليات الذهبية والفضية وتعتبر نوعاً من البطولات العالمية.. وكل هؤلاء يجرون جري الوحوش فقد لا يصيب أحد الرياضيين شيئاً والآخر يفوز برزقه من الجوائز..!!
× والشيء الغريب أنه أصبح لكلمة “الجري” من كثرة تداولها وفي منطق اللغة تصاريف أخرى. فنقول مثلاً: جرت العادة على كذا وكذا.. ونقول لحسابنا في البنك “الحساب الجاري”.. فالجاري في الأولى هو بمعنى المُعتاد لكن في الحسابات فإنه “المتواتر”..!!
× فهل تستطيع عزيزي القاريء أن “تجري” مُقارنة بين كل أنواع الجري التي ذكرناها آنفاً..؟!!