تقرير- نجدة بشارة
بتوقيت الثالثة فجر أمس، وبينما كانت مدينة شندي تغط في ثبات عميق، كان مجهولون يتسلّلون في الظلام كالخفافيش، ناحية خط السكة حديد بقسم شندي -التراجمة، حيث قاموا بفك “البلنجات” التي تثبت قضبان السكة حديد من على “الفلنكات”، ممّا أدى لاتّساع الخط الحديدي، كانوا غير مكترثين لما فعلوه من تخريب؛ او أن تتحرّك ضمائرهم الميتة من سوُء المنقلب، ولم يفكروا للحظة أن فعلتهم تلك تعرِّض حياة المئات للموت.. خاصةً وانه مع خيوط فجر يوم أمس الخميس كان العمال في محطة حديد عطبرة يعدون العدة لانطلاق قطار الركاب من محطة عطبرة الى الخرطوم المحدد له زماناً السابعة والنصف صباحًا؛ والذي من المفترض أن يحمل داخله 432 شخصًا، حركات بدت داخل محطة القطار.. وبدأ توافد المودعين والمُغادرين؛ بعضهم حزم أمتعته في القطار وصعد إليه، ثم بدأ القطار يطلق صافرته إيذاناً ببداية الرحلة؛ ولأن العناية الإلهية كانت أقوى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
في الأثناء، رن جرس الهاتف في المحطة ليتلقى طاقم المحطة نبأ انقلاب “وابور البضاعة 2000 ومعه 3 عربات بضاعة وخروجه خارج الخط الحديدي، بسبب التخريب المتعمد الذي وقع للسكة حديد في منطقة التراجمة.
مَن يقف خلف التخريب؟
ليلة الأربعاء كانت حماسة الثوار تتصاعد عنان السماء.. حيث اكتملت الاستعدادات لتحرك قطار عطبرة، نحو الخرطوم في موعد جديد للثوار لتصحيح مسار ثورتهم، خاصة وأنّ وقطار عطبرة أصبحت له رمزيته.. واصبح أيقونة منذ ثورة ديسمبر، وصار تعبيراً دائماً عن تضامن عطبرة التي انطلقت منها شرارة الثورة لحماية مكتسباتها، إذ يعتبر قطار الأمس الخامس منذ سقوط النظام وحتى اليوم.. ولعل انطلاق القطار كان سيتزامن مع انطلاق قطار الجزيرة في ذات التوقيت للالتقاء واللحمة مع ثوار الخرطوم .
عقب انقلاب قطار البضائع أصدرت هيئة سكة حديد السودان، بياناً اوضحت فيه أن التخريب الذي حدث بالسكة حديد كان “متعمداً”؛ وليس عطلاً فنياً كما ذكرت بعض الروايات، بينما أشارت أصابع الاتهام الى ان العملية التخريبية تمت بفعل فلول النظام البائد بهدف تعطيل وصول قطار عطبرة الذي يحمل الثوار إلى الخرطوم، واعتبر مراقبون على منصات التواصل الاجتماعي ان التخريب الذي قام به الفلول هو استهدافٌ للوطن وليس ممارسة سياسية فقط لتعطيل الانتقال الديمقراطي كما زُيِّن لهم، وان هذه الخطوة ليست الأولى التي يخرب فيها الفلول المنشآت الوطنية، وطالبوا في ذات الوقت الدولة بكشف المتورطين ومعاقبتهم أشد العقوبة .
الإرادة السياسية
وترى مقرر لجنة إزالة التمكين بالنيل الأبيض وعضو الحركة الشعبية نعمات آدم جماع في حديث لـ(الصيحة) أن نظام المؤتمر الوطني البائد ترك آثارا سالبة كثيرة وغرس عددا من الأجسام، أصبحت تنشط في التخريب لإضعاف الثورة وتقويض الانتقال الديمقراطي، وبالحديث عن كيفية محاربة الفلول، قالت لا بد من توحيد الصف وتغليب الإرادة السياسية لأجل الحفاظ على مكتسبات الوطن ومضاعفة الجهود لقطع الطريق أمام الفلول.
رسائل في بريد الفلول
فيما رجّح القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل صلاح الدين محمد الحسن (القنالي) في حديثه لـ(الصيحة) أن من قام بهذا العمل التخريبي، قصد من ورائه الوقوف ضد الانتقال الديمقراطي؛ وضد الثورة، وأردف: لأن الثوار وضحوا ان الهدف من مجئ قطار عطبرة للخرطوم ليس لحماية لجنة إزالة التمكين فقط أو حماية وجدي أو غيره، وإنما جاءوا لتصحيح مسار الثورة، واستكمال هياكل السلطة، وحماية الانتقال الديمقراطي ضد بقايا الفلول وأعوانهم، واردف اعتقد ان وصول قطار عطبرة الى الخرطوم كان رسالة قوية للفلول، وطالب في ذات الوقت الدولة بمحاسبة المجموعة المُخرِّبة، وعدم التهاون معهم؛ وقال إنّ ما حدث يعتبر شروعاً في قتل الإبرياء، ورسالتنا للدكتورة آمنة والي ولاية نهر النيل، تكثيف الجهود للقبض على الجناة ومُحاسبتهم.
مُحاسبة رادعة
وذهب القيادي بحزب الوطن الاتحادي وليد عبد العزيز شدو إلى اتجاه ان الفلول مازالوا يسيطرون على منشآت حيوية بالدولة، ومازالت أذرعهم تمتد بالتخريب الممنهج؛ ووصف ما يقومون به بالحصار والخنق الممنهج للانتقام من الشعب السوداني الذي صنع ثورتهم وأزاحتهم من المشهد السياسي، ووصف ما يقومون به بفرفرة المذبوح، وأن التخريب الممنهج ضد الفترة الانتقالية التي بدأت تستعيد عافيتها وتعود للأسرة الدولية، وأردف: خير دليل زيارة رئيس صندوق النقد الدولي للسودان ومخاطبته العالم، واشار شدو الى ان هذا التخريب لم يكن الأول ولن يصبح الأخير، وواجب على الدولة التدخُّل وحسمهم ومحاسبتهم محاسبة رادعة.. واكد انّ قطار عطبرة لن يقف لأن الشاهد أنه “إذا توضأت عطبرة أقيمت الصلاة في الخرطوم”.
إصرار
ورغم أن قطار عطبرة واجه صعوبات الانطلاق، إلا أن ثوار نهر النيل عملوا بجهد كبير على تلافي العطل والوصول الى الخرطوم، فقد انطلق فريق صيانة محطة شندي لإصلاح الخلل الذي أصاب خط السكة حديد ليتزامن ذلك مع إصرار ثوار عطبرة على تسيير القطار الذي بدأ رحلته من محطة عطبرة لتلتقيه والي نهر النيل آمنة المكي في مدينة الدامر حاضرة ولاية نهر النيل وتُعلن تضامنها مع الثوار، قبل أن يتجه القطار ليكمل رحلته للخرطوم لاجل اللحاق بالمسيرة التي انطلقت بهدف حماية الفترة الانتقاليّة.