صلاح الدين عووضة يكتب : مجاهيل !!
واليوم جمعة..
وهو يومٌ نتكلم فيه عن أي شيء عدا السياسة… اللهم إلا عرضا..
واليوم حديثنا عن مجاهيل..
وهم كثرٌ؛ في ضروب الإبداع كافة..
وكذلك في مجال الدين؛ فهناك من لا يهمه إن علم الناس بتدينه أم جهلوا..
بل قد يعجبه أن يكون مجهولاً؛ زهداً في الشهرة..
وحين قال النبي لصحابته سيدخل عليكم رجل من أهل الجنة دخل رجل (عادي)..
أي لم يكن مشهوراً بينهم بتقوى؛ ولا قيام ليل..
ومن شدة دهشتهم رافقه أحدهم إلى منزله كضيف… ليرى ماذا يفعل؛ فيتميز..
فوجده لا يفعل إلا دون الذي يفعلونه هم – ظاهرياً – بكثير..
ولكن باطنه كان كقلب طفل؛ لا حقد… لا حسد… لا نفاق…لا نميمة… لا كره..
وأمريكا تفتأ تذكر بالخير آباءها المؤسسين… وتمجدهم..
ولكنها قلما تذكر من كان لهما فضل تأسيسها فلسفياً؛ جون ديوي… ووليم جيمس..
فهذان هما من وضعا لأمريكا أسس فلسفة البراغماتيزم..
ولذلك قالت تاتشر: أوروبا صنعها التاريخ؛ أما أمريكا فقد صنعتها الفلسفة..
وفي صحافتنا مجاهيل يبدعون من خلف الكواليس..
فيقطف ثمار جهدهم وإبداعهم – شهرةً – بعضٌ ممن يظهرون في الواجهة..
وكذلك السياسة لها مجهولون؛ ينتفع بعرقهم انتهازيون..
ومن مجاهيل حزب الأمة (الأم) – ممن عايشتهم – شابٌ اسمه أحمد سر الختم..
فهو كان يحترق – إبداعاً تنظيمياً – في صمت..
وأقول (كان) لأنه مضى؛ من بين كثيرين مضوا – مغاضبين – من الحزب..
ومنهم كاتب هذه السطور نفسه… من قبل سر الختم هذا..
وظل يذكر عبارة كتبها عنه حسين خوجلي قبل أعوام خلت..
وكان نصها: أعجب لعاشق الواقعية المنطقية أن يعشق الطائفية السندكالية..
ولكن العشق المحفوف دوماً بالمنطق لا يكون أعمى..
وفي مجال السينما… والمسرح… والشاشة… والغناء؛ مجاهيل لا حصر لهم..
يبدعون لغيرهم؛ فيستأثر هؤلاء بالنجومية دونهم..
ورائعة وردي (أقابلك) كتب مطلعها عمر الدوش… ثم أتمها إسحاق الحلنقي..
وهو هذا النص الإبداعي المدهش… حد الصدمة:
أقابلك في زمن ماشي….. وزمن جاي….. وزمن لسه..
أشوف الماضي فيك باكر…… أريت باكر يكون هسه..
وقبل فترة حلق بي – في فضاءات الدهشة – أبداعٌ شعري مذهل تأملته ملياً..
يصدح به وردي… ويُنسب إلى شاعر معلوم..
رغم إن صاحبه الحقيقي مجهول… وليس هو إسماعيل حسن؛ وما ينبغي له..
فهو أعمق تصويراً جمالياً من (ذات الشامة)؛ وأخواتها..
ويقول مطلع هذا الإبداع النابع من عمق جنون الخيال الفطري غير ذي التكلف:
شن تشبه بلا الداسنه في بطن المطامير…
لدروبك انتِ…………… ما شقن بوابير…
يا قشيش نص الخلا الفوق في العتامير…
البكركر رعدو……… وديمه سماه عكِّير…
السمح مرعاك………… يا قش التحاجير…
ومفردة بوابير هنا المقصود بها مركبات الجاز الثقيلة… كما كانت تُسمى قديماً..
ثم يمضي الشاعر المجهول قائلاً في قصيدته (الريلة):
الزول الولوف…….. لقلبي خرَّاب…
أنا بمشي واتلفت… لما النهار غاب…
حديثك لي أكيد أنا…… ولاّ كضاب…
حد ما لملموهن… خاطري ما طاب…
يا حليل أمونة في غرب الضياباب…
فشكراً لهذا الشاعر المجهول؛ إن لم يكن هو ود صليليح… كما يرجح البعض..
ونحن كنا نتوه ثلاثين عاماً في (خلاء عتامير) الإنقاذ..
وهو خلاءٌ كان دوماً (يكركر رعده)..
و(سماه عِكِّير) !!.