تقرير- عوضية سليمان
حِدّة التصريحات بين المكونين المدني والعسكري التي تصاعدت وتيرتها خلال الأيام الماضية بصورةٍ لافتةٍ، أصبحت أمراً مقلقاً ومُزعجاً ليس فقط على المستوى المحلي، وانما الإقليمي والدولي, خاصة بعد صدور تعليمات من المكون العسكري أمس الأول بسحب القوات المشتركة التي تقوم بحراسة الأصول والعقارات المُستردّة من اللجنة وإخلائها على الفور، لتطلق لجنة إزالة التمكين نداءً، مُستنجدةً بالثوار لحماية المواقع التي استردّتها من قادة النظام السابق، وفي الوقت الذي استجابت قوات الشرطة لطلب والي الخرطوم بحماية المواقع التي أخلتها القوات المشتركة، إلا أن تعليمات صدرت بسحبها من تلك المواقع, مما دفع لجنة التمكين بالاستنجاد برئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك الذي أبدى استغرابه من قرار سحب القوة المُشتركة من موقع لجنة التمكين، الامر الذي دعا إلى عقد اجتماع عاجل لحمدوك، وتم الاتصال بالشرطة لتقوم بدورها، غير انها لم تستجب في البداية لتستنجد اللجنة بالمدير العام للشرطة، حيث تمت الاستجابة لحراسة (22) موقعاً. وأوضحت اللجنة بأن الردة مستحيلة والثورة مستمرة، ولكن صمت العسكريين على سهام المدنيين في ذلك الوقت كأنما كان مبررًا حتى انقشعت سحب العلاقة عقب وقوع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أيقظت الفتنة النائمة لتتفجّر الأوضاع لتضع العلاقة على صفيحٍ ساخنٍ، بالتالي السؤال الذي يطرح نفسه هل خريف العلاقة بين المدنيين والعسكريين وصل حَد المفاصلة؟ أم كما قال البعض إنه تمرين ديمقراطي؟!
استقطابٌ سياسيٌّ
وجّه رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان في تصريحات نارية، انتقادات للأصوات التي تستهدف الجيش، ودعا لترك القوات المسلحة تقوم بواجبها الاحترافي والمهني بعيدة عن الاستقطاب السياسي، واضاف أن ما يُشاع عن نِيّة القوات المسلحة القيام بانقلاب هو محض افتراء، وقال إن القوات المسلحة هي التي أفشلت المحاولة الانقلابية التي كادت تحدث فتنة، ويبدو من خلال الحدث أن البرهان أراد إيصال رسالة محددة، حيث رفض البرهان الجلوس مع جهات سياسية تخون القوات الأمنية، ورأى أن الجهات سماها مزدوجة الولاء، وجدد بأن الجيش هو الحارس الأمين، وقال إن الجندي السوداني لا يُدافع عن حزب او جهة او جماعة ولا يصرف بالدولار من جهات أخرى على حد قوله.
مدني وعسكري
تصريحات البرهان ألقت بحجر في البركة الساكنة، مَا دفع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لأن يتدخل ويوضح موقف الصراع بين المدنيين والعسكريين، ولكن اراد في البداية تثبيت موقف، عندما أكد أن الصراع الذي يدور حالياً هو ليس صراعاً بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع لتحول مدني ديمقراطي من المدنيين والعسكريين والساعين إلى قطع الطريق أمام الطرفين، وشدد على اهمية الالتزام بالوثيقة الدستورية التزاماً صارماً, والابتعاد من المواقف الأحادية، في إشارةٍ للتصريحات السابقة، ولكن في الوقت نفسه أراد تطمين الطرف المدني بأن لجنة التفكيك من مكتسبات الثورة والدفاع عنها والمُحافظة عليها واجبٌ ولا تراجع عن تفكيك النظام, وقال: نحن نحث الأوضاع بين المكونين المدني والعسكري إلى نسق تصاعد بعد تعليق العسكريين الاجتماعات مع المدنيين بمجلس السيادة.
تَعليماتٌ بالانسِحاب
وكان عضو لجنة إزالة التمكين، كشف بأن هنالك تعليمات صدرت للقوات المشتركة التي تحرس 22 موقعاً تابعة للجنة التفكيك من رئاسة الأركان المشتركة بالانسحاب الكامل من تلك المواقع، وقال استعنا بقوات الشرطة لتحل محل القوات المنسحبة، وجاء رد الوالي عن أن هنالك تعليمات صدرت لقوات الشرطة بالانسحاب من المواقع التي نشرف عليها.
وفي ذات الاتجاه، قال محمد الفكي عضو لجنة التمكين: “سنتقدم الصفوف ولن نتراجع ومافي اي زول بخوفنا، وانهم جاهزون لمواجهة المكون العسكري اذا اراد ذلك، وان المدنيين تجرعوا مُر الشراكة مع العسكر وقبلوا بها وان نهايتها صندوق الانتخابات وان لجنة التمكين باقية مع بقاء الحكومة”.
رد فعل
ما اعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة من تصريحات، صوبت سهام النقد من كل جانب للآخرين مع مستجدات الأحداث التي دفعت المكون العسكري لسحب القوات من المقار التي استردتها لجنة التمكين واستنصار اللجنة بالثوار وإقامة مهرجان ثوري داخل مقر اللجنة امتدّ امس الأول وأمس، قرأه مراقبون في انه كشف لكل الأوراق، فعند التلويح من الجانب العسكري بمقدرته على ضرب المدنيين في مقتلٍ، جاءت ردة الفعل من المدنيين بأنهم مسنودون من الشارع الذي يمكنهم تحريكه متى ما شاءوا، وأشار المراقبون إلى أن واقع الحال يشير إلى أن العلاقة بين الجانبين وصلت لمفترق طرق وربما مثلت قطيعة كاملة تهدد الشراكة نفسها.
دعوة للتهدئة
يرى المحلل السياسي عبد اللطيف محمد سعيد، ان المرحلة الانتقالية تحتاج إلى تهدئة الوضع العام وليس لصراع بين من يحكمون، ورأى ان تصعيد القضية ليس من مصلحة الجميع وان الوضع الحالي لا يحتمل, لجهة أن الساحة مليئة بالأحداث التي تحتاج الى عقل وتدبر لتفادي المرحلة الحرجة، واشار إلى ان خطوة المكون العسكري بسحب الحراسة واتهامه للمدنيين عبارة عن ردة فعل ليس إلا, وقال كلا الطرفين لم يحسبا الخطوة جيداً قبل تصعيدها، ورأى من الضروري أن يكون هنالك وعي لإدارة الشراكة برؤى واضحة، ودعا في حديث لـ(الصيحة) الى عدم الحديث عن الأشخاص او احزاب سياسية بعينها، لأنها لا داعي لها، وقال: يجب ان نتحدث عن منظمة تضم مكونين “مدني وعسكري”، وشدد على ضرورة الالتزام بما جاء في الوثيقة الدستورية, وأضاف ان هنالك عقبات تعترض الشراكة في مستوى من المستويات تترك بعض الآثار السالبة التي لا بد من تجاوزها عبر الحوار والحكمة السياسية الضرورية، مبيناً أن الشراكة بين المكون العسكري ومكون الحرية والتغيير لم تتم بواسطة احزاب سياسية، لذلك الحرية والتغيير في تعريفها في الاطار السابق تعني كتلة المدنيين ونداء السودان وقوة الحزب الجمهوري وتيار الوسط هذا هو الاطار الذي تمت فيه الشراكة.
إشارة خضراء
وقال المحلل السياسي السر أبو شامة لـ(الصيحة)، إن ثمة إشارات خضراء تلقاها العسكريون من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وان امريكا منحت البرهان الضوء الأخضر لتصحيح الانتقال رغم انها ظاهرياً تدعم المدنيين، مؤكداً أن أمريكا لا يرضيها الوضع الانتقالي الذي تشهده البلاد، فضلاً عن مصالحتها مع المكون العسكري في إكمال عملية التطبيع مع إسرائيل، وظلت قضية التطبيع مرهونة لحين قيام المجلس التشريعي، لذلك هنالك إشارة خضراء في الإطاحة بالحاضنة السياسية التي تعيق إكمال مؤسسات الدولة من خلال الصراع الداخلي الذي تَعيشه.