عبدالله كرم الله يكتب : وفي الأصل كانت الحرية؟
سبحانه جل شأنه الحر المطلق الذي قال وكال في محكم تنزيله الخالد: { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } (سورة الكهف الآية 29) وسبحانه الذي خاطب من يحاول (الفرعنة) على عباد الله قائلاً لهم: { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} (سورة الزمر الآية 41)، وبجلال قدره وقدرته لم يوكل عنه مخلوق ليتعدى حدود الوعظ والإرشاد ليوقع التذليل بالعباد لأنهم لم ينصاعوا لرأية الوقاد!، فالحرية التي أفرد سبحانه وتعالى شراعها للريح لاتباعها بحرية، فمن يؤمن بها كحر واتباع أوامره فله الجزاء الأوفى لأنه لم يتبع ما يخامره، ومن يكفر بها كحر بعصيانها فليتحمل العقاب بحد اسنانها!، وما بين هذا وذاك، فسبحانه هو الحر المطلق إن أثابك أو أنزل عليك عقابك، فهو الرحمن الرحيم والعدل الحكيم بعمارك أو بخرابك!. والذي يحاول وضع القيود في اقدام الحرية، يسوق من الأسباب الواهية التي تبرر اعماله اللاهية، فتمثلاً قوله الإله الوهمي: { لا اريكم إلا ما ارى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد} والجهلاء ينصاعون له كارقاء وعباد، والبعض يسوق من الحجج الواهية كخيوط العنكبوت الداهية، ليمنع نشر الرأي الحر بحجة التأثير في مجرى العدالة بضر!، وكان القاضي العادل لا يملك كفتي ميزان ليوازن ما بين الحق والزيف الخاتل، ولو أن وزير العدل الأمريكي (الجمهوي)، منع نشر مقال صحفي احفوري عن جرم تنصت الرئيس نيكسون (سراً) عن مداولات الحزب (الديمقراطي)، لما سقط المجرم أمام القاضي ليطرده من البيت البيض برداء أسود غير محرم!.
فطوبي لجهلاء الحرية بغشاوية عقول لاهية، ولعل أفضل من فهم الحرية على حقيقتها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بقوله الشافي والكافي في الجواب: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحراراً) ولذلك بني أكبر دولة مترامية الأطراف بالحرية والشورى السوية التي هي اليوم الديموقراطية ولعل من فهم ذلك اليوم هم أهل الغرب لا اهل الشرق لذا تقدموا ونحن نستلز بمن اعدموا!!
ولله الحمد كثيراً أن ابقى جزوه الوطنية متأججة في شباب اليوم، وهم اللذين سيعيدون الإعتبار للجدود والأباء اللذين أورثونا وطناً حدادي مدادي بقيم اصيله عهدتها منذ ميلادي، أما اللذين (هرموا) كجداد الخلاء فليفسحوا الساحة لجداد الوادي.
وهذا يذكرني بما رواه لي أحد رؤساء تحرير صحفنا أيام الرقابة (القبلية) أبان عهد الإنقاذ الأسود إذ به حضر مقالاً للنشر ولكن الرقيب لن يسمح بنشره مطلقاً!، لذا حضر مقالاً بديلاً وأكثر تعويلاً وحين جاء الرقيب فقال له: لن ينشر هذا الكلام ويا حبذا لو بتبدبلاً فعرضنا عليه مقالنا وصرح بنشره!.
ولذلك الكيزان اللذين كانوا (كالدود) على أسطح الأطيان، صاروا اليوم (كالصارقيل) بأخفى الأطيان.