عبد الله مسار يكتب : الدكتور حمدوك وقحت يركبون التيتل
(التيتل حيوانٌ سريعٌ يشبه الغزال، وهو حيوانٌ بريٌّ، والقصة ان ملكاً ضيّق على رعيته، وارادوا أن يتخلّصوا منه، وجاءوا إليه وقالوا له إنه ملكٌ عظيمٌ ركب كل الحيوانات، الا التيتل ذلك الحيوان السريع، ولما كان ملكهم محل فخرهم وعِزّهم يباهون به الملوك، ولذلك يودون أن يركب التيتل، ووافق وجاءوا بالتيتل وأسرجوه، وجاءوا بالملك وأركبوه وربطوا عليه بمران من جلد بقري وأطلقوا عنان التيتل).
الدكتور حمدوك رئيس وزراء حكومة السودان في الفترة الانتقالية، هو رجلٌ مُؤهّلٌ أكاديمياً ولديه خبرة في عمل المنظمات، ولديه علاقات مع كثير من فصائل المجتمع الدولي، ولكنه ليس سياسياً ولا تنفيذياً، ولم نسمع له نشاطاً حزبياً طيلة وجوده موظفاً في السودان. ولم نسمع انه شغل موقعاً تنفيذياً قيادياً متقدماً في دولة السودان طيلة وجوده داخل البلد.. رمت به المقادير أن يكون رئيساً لحكومة الثورة وجاء محمولاً على ظهر جماهير الثورة بإيعاز من الدوائر الخارجية، وأعلن أنّه مع كل الشعب ولكن احتضنته حاضنة سياسية من احزاب الحرية والتغيير مختلفة المشارب والتوجهات، بل مُختلفة الاهداف والبرامج، بل مُختلفة حتى فكرياً، وضمت طيف قوس قزح ذا ألوان سياسية جمة، بل ضم تحالفات لا رابط بينها إلا السعي لإسقاط حكومة المؤتمر الوطني، تجمعت من أحزاب ونقابات واتحادات ومنظمات مجتمع مدني وطيف اجتماعي، وأتلفت في ماعون الحرية والتغيير وعملت تسقط بس.
جاء الدكتور حمدوك الى الحكم في ظل هذه الجوقة دون برنامج واضح ومحدد، وترك برنامج الانتقال المعلوم وذهب الى برنامج مجابهة قضايا الدولة وهموم الجماهير، وهو لا يملك من وسائل تحقيق ذلك شيئاً، ووجد قضايا الحكم والدولة أكبر مما تخيّل (ولاص).
الشعب عاوز مطلوبات الحياة من معاش وامن وتسيير دولاب الدولة والخدمات والتنمية وتوفير البنى التحتية، وجاءت قحت بخيلها وخيلائها لتحكم دون أن تكون لديها القدرة على ذلك، وذهبت به شمالاً وجنوباً وشرقاً وغربًا، ولكن دون أن تقدم له ما يعتمد عليه، ولذلك وجد نفسه كالذي أُلقي في اليَم وقيل له إيّاك أن تبتل بالماء، وفوق الحاضنة، ووجد أربعين مليون سياسي يفهمونها طيارة، ومعارضة قوية وأدخل في الصراع مع الشريك العسكري، ووجد أصحاب (مدنياو) له بالمرصاد، وكذلك لديه ارتباطات والتزامات خارجية مطلوب منه عملها، ليساعده أصحاب العيون الخُضُر. وكمان هنالك انصار العلمانية عاوزين يبعدوا كل ما هو إسلامي من الحياة العامة ويعوثوا في القوانين تغييراً، قانون النطام العام وقانون الأحوال الشخصية، وحتى المثليين عاوزين قانون، ولذلك صار د. حمدوك (كالفالع أطرش)!
ثم جاءت الطامة الكبرى، قضية شرق السودان وشماله والمسارات، وجاء الناظر تِرِك، وجاءت مبادرته الناقصة والمهللة والتي خرجت من محتواها وتحولت الى نقاش داخلي بين بعض مكونات الحرية والتغيير، أبعدت من تريد وقرّبت من تريد، وكثر الهجوم على المكون العسكري من قوات مسلحة ودعم سريع وشرطة وأمن، بل حتى آلية مبادرة حمدوك تتحدّث عن إصلاح المؤسسة العسكرية، مما جعلهم يبتعدون ويتفرّجون لأن إدارة الدولة تخص الجهاز التنفيذي.
ثم جاءت الولايات، وجاء مني وحكومة دارفور، وفوق هذا انفرط عقد الأمن في الخرطوم! صارت الخرطوم (أم كواك)!
وهكذا صعب الأمر على حمدوك، وصارت حكومته هي حاكمة أمانة مجلس الوزراء في شارع النيل فقط ما لاحقة كوبري أم درمان!
وكثرت المشاكل وحاضنته السياسية لا تستطيع ان تصل الى محل في السودان لتحل مشكلة، لأنها لا قبول لها في أي شِبرٍ في السُّودان، وهي ذاتها عايشة كالبعوض على دم د. حمدوك، وفوق لجنة التمكين!
وأعلاه هو توصيف الحال للدكتور حمدوك ومن حوله، وجد نفسه وحيداً يصارع كل هذه المشاكل، وضاق عليه الخناق من كل جهة، وهو في الأصل ليس لديه خبرة في إدارة الدولة، ولا معرفة بدهاليز السياسة وتقاطعاتها،ولذلك ركب التيتل وحاضنته، والآن عاوزين يوقفوه وينزلوه وهم غير قادرين، وكلما زادت الأمور تعقيداً، جماعته (ناس حشّاش بدقنو) يقولوا الفلول والدولة العميقة.. والدولة العميقة راحت واستراحت وتركت لهم الجمل (السودان) بما حمل!
على العموم، الاخ د. حمدوك في أمر ضيق، والحاضنة السياسية في أمر اضيق، وبقي عليهم حكاية (الحمار والمرفعين)، اراد المرفعين أكل الحمار وطرده ودخلوا رهد فيه طين ووحل، المرفعين والحمار كل في مكان، ومر الثعلب بالمرفعين، وفقال له المرفعين شوف الورطة الأنا فيها الآن، فقال الثعلب لسع انت ما اتورّطت. الورطة الأصلية لما صاحب الحمار يحضر ومعه حرابه وكلابه عندها تلك هي الورطة.
أعتقد أن الأخ د. حمدوك والتيتل وقحت في ورطة، ولكن الورطة الحقيقية لما يتحرّك الشعب ويقول (تسقط تاني)! عندها الأخ د. حمدوك والحاضنة كلهم يركبوا التيتل..!