تحقيق: سراج الدين مصطفى
قضية مهمة:
لعل من أهم القضايا الشائكة التي ذاع صيتها في السنوات العشر الأخيرة قضية صراع الأجيال، إلا أنَّ هذا الصراع زاد عن حدِّه في الآونة الأخيرة مع انتشار وسائل الإعلام، إضافةً للتطور والانفتاح الذي أصاب مجتمعنا.. وبرزت المشكلة هنا بين جيل من الآباء المحافظين المتمسكين بالموروث والتقاليد القديمة التي نشأوا عليها، وجيل من الشباب، نشأ في ظل انفتاح اجتماعي وثقافي واسع، وبالتالي رفض كل ما هو تقليدي وموروث، غير أنَّ المشكلة لا تقف عند حدِّ الاختلاف بل تتعدى ذلك إلى مستوى الصراع، حيث يتهم جيل الآباء، جيل الأبناء بالسطحية في ممارسة عادات اجتماعية، في حين يتَّهم هذا الأخير سابقه بتمسكه بثقافة قديمة متخلفة وعدم قدرته على التعايش مع المتغيرات التي تعتري المجتمع.
الهوة الفاصلة:
الباحث الاجتماعي طارق الطيب قال لـ(الحوش الوسيع) في هذا الخصوص (صراع الأجيال هو الهُوَّة الفاصلة بين أفكار ومعتقدات جيلين أو أكثر. وتشمل الاختلاف أو التفاوت في المعتقدات الدينية والسياسية والفكرية، والقيم والأفعال والأذواق، وغيرها.. ويحب البعض تسميتها بصراع الأجيال، أو الفجوة الجيلية، أو الفرق بين الأجيال القديمة والحديثة، وغيرها من المسميات التي تشير إلى مفهوم واحد.
اختلافات متعددة:
وعلى الرغم من ظهور تلك الفجوة على مَرّ العصور، إلا أنها اتسعت وتباينت بشدة خلال القرنين العشرين، والحادي والعشرين.. ظهر المصطلح في ستينيات القرن الماضي، وشاع استخدامه منذ وقتها.. ويرى الأستاذ عبد السلام الحاج أن المتأمل لواقع المجتمع السوداني يدرك أن هناك خلافاً في العلاقة بين جيل الكبار وجيل الشباب. خلافٌ اتخذ أبعاداً متعددة: فكرية، ثقافية، اجتماعية وسياسية. ففي حين يتمتع جيل الكبار في السودان بحياةٍ مستقرة شغلوا فيها وظائف ثابتة، وازدهرت فيها الخدمة المدنية والقطاع العام، يعايش شباب الجيل الحالي كل ما هو سيئ؛ تدهورٌ في الاقتصاد، وارتفاع في نسب البطالة التي بلغت ١٩٫٦% في السنة الحالية ٢٠١٧. كما شكّلت الانقلابات العسكرية التي شهدها السودان تراكماً لكل الأبعاد السابقة نحو التمرد، الأمر الذي يمكن قراءته من زاوية محاولة الإزاحة بالقوة أو الرفض على أقل تقدير.
مشكلة أزلية:
ويضيف الباحث الاجتماعي بقوله “مشكلة اختلاف الآراء بين الأجيال أزلية في كلِّ العصور، فالتمسك بالعادات والتقاليد يتناقض من حين لآخر والحفاظ عليها أمرٌ في غاية الصعوبة نظراً للتطورات المُتلاحقة التي يشهدها العالم خلال هذه الفترة، وهي نقطة نقاش متتالية بين الشباب وكبار السِّن وغالباً ما تشهد اختلافات.”
إنَّ المجتمعات تمر بمرحلة انتقالية صعبة تتشكل فيها أفكار واتجاهات الشباب للانتقال من طور القيود وتلقي الأوامر والتعليمات إلى طور الحريات والقدرة على التعبير، نتيجة التطور السريع في جميع مجالات الحياة، والذي لن يستطيع الآباء الوقوف دون تقدم مسيرته رغم محاولاتهم إرغام أبنائهم على العيش في ظلِّ ثقافة محافظة؛ لاعتقادهم بأنَّ هذا التطور في الفكر والاتجاه يقود الشباب إلى الهاوية.
ثورة الاتصالات:
إنَّ جيل الشباب اليوم يتصف بمُستوى طموح أعلى بكثير من مستوى إمكاناته، هكذا قالت الناشطة حنان الطيب في المسؤولية المجتمعية؛ وأضافت “لذلك نجده دائماً يحاول التمرد على محيطه الأسري وعلى تقاليده وثقافته الاجتماعية، ومن جانب آخر فإنَّ جيل اليوم أصبح جيلاً اتصالياً دون أن يكون تواصلياً، فثورة الاتصالات التي نواجهها عزَّزت الفردية لدى هذا الجيل، إذ نلاحظ أنَّ أدوات التقنية أصبحت ذات استخدام فردي، حيث يتعامل الإنسان يومياً مع كم هائل من المعلومات دُون الحاجة إلى الاتصال بالناس لاستقاء هذه المعلومات.