د. يعقوب عبد الكريم نورين يكتب : ملف الشرق… الحكمة مطلوبة
لم تهنأ حكومة الثورة بعد مجيئها بالاستقرار الذي كان حلم الثُّوّار، وتوالت عليها المصائب جماعات ووحداناً في عدد من الولايات مثل غرب دارفور ووسط دارفور، وأخيراً الشرق ثغر السودان الباسم الذي تُحيط به التقاطعات السياسية المحلية والدولية، فهنالك من يزكي نيران الانفصال وفرز العيشة وتصوير الأمر بأنه الخلاص من سيطرة المركز والهامش، وبعد سماعي لخطاب الناظر تِرِك الأخير أمام جموع من أهل الشرق، فإني أرى أنّ الحل لهذا الملف الشائك يتمثل في التالي:
قيام الفريق أول البرهان باعتباره رئيس الجمهورية بالعمل على تهدئة الأوضاع قبل أن تستفحل وتخرج عن السيطرة وذلك بتشكيل لجنة برئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، باعتباره رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات جوبا والمسؤول عن تنفيذ اتفاق سلام جوبا، كما أنه يتمتّع بعلاقات وطيدة مع كل مكونات الشرق السياسية والأهلية، بالإضافة إلى إلمامه بكل تفاصيل اتفاق سلام جوبا الذي يرفضه الناظر تِرِك وأنصاره والعمل على تحديد نقاط الاختلاف والالتقاء، لأن معظم تصريحات أعضاء وفد الحكومة المفاوض أشاروا إلى أن اتفاق سلام جوبا ما يُميِّزه أنه قابلٌ للفتح وإدخال وإضافة ما يُمكن أن يُضاف اليه حسب رؤية أهل الشرق ومعرفتهم للقضايا التي يعتقدون أنّها لم ترد بالصورة التي ترضي المواطنين، وعلى الناظر تِرِك وأنصاره أن يتعاملوا بحكمة أهل الإدارة الأهلية وفطنة السّاسة، لأنّ المطالبة بإلغاء ملف الشرق بالكامل لا يسندها منطقٌ، فهذا الملف قد تمّ التفاوض حوله والملفات الأخرى لمدة عامٍ كاملٍ والحكمة تقتضي أن نعالج النقص والتقصير، فهذا الاتفاق عملٌ إنسانيٌّ ليس كاملاً أو مبرأً من العيوب والنواقص، وعلى السيد رئيس الوزراء أن يعي المهددات التي تحيط بالسودان وعملية الانتقال الديمقراطي التي تقع على عاتقه، باعتباره ربان السفينة، وعليه تجنُّب جبال الجليد حتى ترسو سفينته بسلام.
وهنالك جانب آخر يقع على الشعب السوداني برمته، فنشر الزعازع والقلاقل ووضع المتاريس في طريق حكومة الثورة لن يورثنا إلا وطناً مُمزّقاً، فالمعارض اليوم قد يكون حاكم الغد، فعليكم بالنظر للمشكلات التي تُواجهنا بعين زرقاء اليمامة، والتاريخ سوف يُسجِّل في صحائفه مَن الذي باع، ومَن الذي خان، ومَن صدق، وعليكم بالاختيار لأي فئة تنسبون.
ليس من الحكمة إغلاق الطرق القومية، فإن ذلك العقاب يتأثر به إنسان السودان وليس الحكومة أو المعارضة، وكما يقول المثل (حلا باليد خير من حلا بالأسنان(.
وصلت رسالة أهل الشرق، وعلى الحكومة مُمثلةً في المجلس السيادي ومجلس الوزراء وأهل الحكمة والرأي السديد، أن يتقدّموا ويطرحوا الحلول التي ترضي الجميع. ونحن نحلم بوطنٍ عِملاقٍ مُتطوِّرٍ ورائدٍ في أفريقيا والعالم، نُريد وطناً يلحق بركب الحضارة والتقدم، وهذا لا يتأتى بالخلافات والانتصار للذات، وإنما عبر إحساسنا الجماعي ببعضنا البعض وتقديم مصلحة الوطن على مصالحنا الذاتية الفانية.
رسالة أخيرة نرسلها للفريق أول البرهان ونائبه الفريق أول “حميدتي” ورئيس مجلس الوزراء الدكتور حمدوك والناظر تِرِك وكل أهل السودان.. هذا الوطن أمانة في أعناقكم، فبالله عليكم حافظوا عليه وكفانا تشظياً وهواناً، وكفانا نزاعات وحروباً، فهلموا جميعاً للملمة الجراح والمضي قُدُماً في طريق البناء والنماء.