محمود الجيلي يكتب : فضل الله محمد ومجنون ليلى
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
هذا البيت من معلقة عنترة بن شداد الذي ولد عام 525م وتوفي عام 608م. ويشير معنى ما قال إلى أن الشعراء لم يتركوا شيئاً إلا وكتبوا عنه فماذا يقول شعراء اليوم وهل انتهت دهشة الشعر ومواضيعه منذ ذلك الزمن؟ وهل صار كل ما يقال مجرد تكرار لصور وتشابيه؟
عموم الفنون والشعر على وجه الخصوص نجد أنها تختلف من مبدع إلى آخر، فكلمة إبداع تعني الخلق لشيء لا شبيه له فتجلى الله مبدع السماوات والأرض ومن أسمائه البديع. فالإبداع هو ما تتطلبه الدهشة التي تصاحب كل عمل فني جيّد وخالد فكيف يكون ذلك وعنترة هزم فكرة الإتيان بالجديد من قديم السنين؟
الجديد دائماً يأتي في كيفية التناول للموضوع أو زاوية النظر التي تخص كل شاعر وهذا ما يميزه، فهنالك من يرى أن الصور المعروفة تقرب له المعنى ولكن استهلاكها قد يذهب عنها بريق التجديد في التناول.
قال قيس بن الملوح في واحدة من قصائده:
يجود بالطول ليلى
كلما بخلت بالطول ليلى
وإن جادت به بخلَ
نجد هذا المعنى – إن غاب المحبوب يزيد طول الليل وعند اللقاء يقصر الليل ويصبح بخيلاً – قد تم استخدامه بإبداع تركيبي يجعل لهذا المعنى تصويراً جديداً ويكسبه رونقاً مختلفاً وإبداعاً مغايراً حيث كتب الشاعر العبقري فضل الله محمد وغناها الموسيقار محمد الأمين:
الغريبة الساعة جمبك تبدو أقصر من دقيقة.. والدقيقة وإنت مافي مُرة ما بنقدر نطيقا
على الرغم من تكرار المعنى إلى أن زاوية التناول تختلف وهذا ما غفل عنه عنتر ولكنه أتى بدهشته في أشعاره كما أتى به الكثير من الشعراء بعده.
فكرة ومضمون القصيدة الجيدة إن ترجمت لأي لغة تبقى جيدة وجاذبة، والشاعر الموهوب فقط من يستطيع نسج هذه الفكرة في قالب جديد وجاذب.
الفكرة لقيس بن الملوّح وفضل الله محمد جاءتني بصياغ مختلف حينما كتبت:
ساعة كانت أحلى من العمر كلو.. في حساب الريدة كانت ربع ساعة.
أيوة شفتك ولسه شوقي الفي محلو.. زي مراكب تايهة اتقطّع شراعا
بيك نهار قلبي المتيم وبيك ضلو.. بيك رجوع أفراح وبي بعدك ضياعا
في عيونك سر بيحير عقلي أصلو.. فيهن أسباب خوفي وأسباب الشجاعة
ساعة ما شبعت عيون الريد وأقلو.. كان تخلي خبر رحيل عينيك إشاعة
يا العيونك كانو للتايهين بيدلو.. موج مشاعر في سكونا واندفاعا
طلت الأفراح وقت في الدنيا طلو.. وبكّت الغيمات وكت شارف وداعا
وكل حروفي بلاك من أشعاري ملو.. وشعري من نظرات عيونك واختراعا
وتظل الفكرة هي الشعور الإنساني الذي وإن تكرر يغلب عليه التناول المختلف فيكون ذلك هو الإبداع المتجدد.