تقرير: الطيب محمد خير
جدّد نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، المستشار السياسي لرئيس الوزراء ياسر عرمان، الحديث عن المصالحة مع الإسلاميين، وجزم خلال لقاء بثّه التلفزيون القومي بأنهم لا يريدون اجتثاث الحركة الإسلامية، مبيناً أن هناك إسلاميين يرغبون في التحوُّل الديمقراطي والدولة المدنية، وأضاف عرمان: لكن الإسلاميون لم يحسموا أمرهم من التحوُّل الديمقراطي بعد، فإذا قاموا بذلك بمعزل عن المؤتمر الوطني يكون مفيداً.. ولم يعد حديث عرمان عن عدم رغبتهم في اجتثاث الإسلاميين وتلميحه بقبول عودتهم الى الساحة السياسية مفاجأة لمُعظم مُراقبي الشأن السياسي السوداني، وسبق أن أعلنه عند عودته في المرة الأولى (يونيو 2019) أنه لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين، ودعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم، لكن ظل تعبير عرمان غير دقيقٍ في تحديد الإسلاميين الذين يقصدهم.
اللافت أن تبني الخطاب التصالحي مع الإسلاميين وعدم إقصائهم من المشهد السياسي الذي ينقسم حياله الشارع السوداني بين الترحيب والرفض والتحفُّظ لتعارُضه مع ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية ليس قاصراً على عرمان وحده، وإنما أظهره زملاؤه من قادة الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا في كثيرٍ من لقاءاتهم في الأجهزة الإعلامية، وبيد أن الموقف من مصالحة الإسلاميين متطابقٌ لدى زعيمي الحركة الشعبية شمال، فذات موقف عرمان من مصالحة الإسلاميين، أعلنه رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال، مالك عقار عند عودته بقوله: “أتينا لنضع أيدينا مع الجميع، لأنّ هدفنا هو بناء الدولة السودانية، ويشمل ذلك حتى الإسلاميين الذين فيهم أناس جيدون جداً وليس كلهم سيئين، هنالك إسلاميون معتدلون ولديهم رؤية للدولة السودانية”، وذات الخطاب التصالحي ظهر في عددٍ من اللقاءات التلفزيونية لقادة أكبر الحركات الدارفورية المسلحة، وأظهروا فيها لجهة صريحة بعدم إقصاء التيارات السياسية الإسلامية خلال مناداتهم للبعد عن الصراع الأيديولوجي.
وكان رئيس حركة تحرير السودان حاكم دارفور مني أركو مناوي قد دعا للمصالحة مع الإسلاميين عبر حوار سوداني – سوداني، وأشار مناوي الى الذين يعترضون المُصالحة مع الإسلاميين أنهم يخافون على مواقعهم، وذات اللهجة صدرت من رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، يربطه كثيرٌ من المحللين السياسيين بالمؤتمر الشعبي بدعوته إلى تحقيق وفاق وطني شامل، وحث على نبذ الصراع الأيديولوجي بين الإسلاميين الشيوعيين، مشدداً على أن يكون التنافس بين الأحزاب عبر برامج تقديم الخدمات للمُواطنين.
وفي ذات السياق، كان قد برز تفسيرٌ لمبادرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بأنها بداية لمشهد سياسي جديد يشمل توسيع الشراكة لإدارة المرحلة الانتقالية التي قد تصل إلى مُصالحة تشمل حتى الإسلاميين، ما أثار سجالاً ونقاشاً مُستفيضاً في الساحة السياسية السودانية والمُنتديات الإعلامية المُختلفة من مواقع التواصل حول جدوى وضرورة المُصالحة مع الإسلاميين.
في مُقابل هذا الخطاب التصالحي مع الإسلاميين، يقف الحزب الشيوعي الخصم التاريخي اللدود، الذي يُعد أعلى الأحزاب الرافضة للتقارب مع الإسلاميين صوتاً من خلال رؤيته لأيِّ شخصٍ يتحدّث عن المصالحة مع الإسلاميين، يضع نفسه في خانة العداء للشعب السودان بتأييده للأجندة التي تسعى إلى جعل الإسلاميين جُزءاً من الحكم الانتقالي هي مشروع أمريكي يطلق لتحقيق (الهبوط الناعم) للإسلاميين للحديث.
ويبقى السؤال في هذا مشروعاً، هل الشارع السوداني يقبل المصالحة مع الإسلاميين التي تعني العفو والتغاضي عن كل الجرائم التي ارتكبوها، ويفتح الباب لعودتهم إلى السلطة مرة أخرى دون أن تتحقّق العدالة الناجزة المطلوبة.
في مقابل كل هذا الجدل حول مصالحتهم، التزم الإسلاميون الصمت، بدا من الصعوبة معرفة رأيهم.
غير أن “الصيحة” استنطقت القيادي بالمؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق، الذي قال إن الحديث عن المصالحة بصفة عامة إيجابيٌّ، لكن أي حديث عن مُصالحة شاملة لا يشمل كل الإسلاميين والقوى السياسية التي شاركت في الثورة، يُعتبر حديثاً ناقصاً ولا يفضي لمُصالحة وتنقية للأجواء السياسية باعتبار أن هناك إقصاءً.
وأكد أبو بكر أن حزبه والإصلاح الآن وفصائل الإخوان ليس لهم أي خصومة في الساحة السياسية، وإنما الخصومة الفاجرة مع المؤتمر الوطني الذي يشاركه عرمان في السُّلطة التي رئيسها عبد الفتاح البرهان عضو المؤتمر الوطني الحزب الحاكم الآن بلجنته الأمنية، ويتكرم على عرمان بمنصب مستشار لرئيس الوزراء.
وأشار أبو بكر الى أن السلوك الذي تمارسه القوى السياسية المشاركة في الحكومة الانتقالية لا يُشكِّل المناخ المناسب للسير فيه للوصول إلى تحوُّل ديمقراطي حقيقي، مضيفاً إن كان ياسر عرمان هو مستشار لرئيس الوزراء ويمثل السلطة التنفيذية، صادقاً في دعوته وهو يسعى حقيقة لتحول ديمقراطي وخلق جوٍّ من الحريات، عليه إيقاف انتهاك الحريات ويُطالب بإطلاق سراح المعتقلين الذين يستحقون الضمانة القانونية.
وختم أبو بكر قائلاً: إن الإسلاميين لم يفصحوا عن رغبتهم في المُصالحة وموقفهم من التحوُّل الديمقراطي حديث عار عن الصحة، مُشيراً إلى أنّ المُطالبة بالتحوُّل الديمقراطي كانت سبباً رئيسياً في مفاصلة الإسلاميين عام (99)، مُضيفاً أن المؤتمر الشعبي سبق له ان شارك ضمن قوى الإجماع الوطني في صياغة مسودة الدستور الانتقالي والبديل الديمقراطي.