صلاح الدين عووضة يكتب.. هو نفسه!!
كل شيء..
كل شيء – كل شيء – هو نفسه… نفسه؛ بين الأمس واليوم..
بين ما قبل الثورة… وما بعدها..
كل شيء بحذافيره..
والاختلاف فقط في الوجوه… وربطات العنق..
ومن بين أوجه الشبه الشديدة هذه كلام المرتاحين… وتنظيرهم… وجعجعتهم..
سيما الأيام الأخيرة لما قبل الثورة..
حيث كان الكلام في وادٍ؛ والناس في وادٍ آخر… غير ذي ذرع ولا ضرع..
حيث كان الناس مطحونين… والحكام مرتاحين..
وكلام المرتاح لا يشبه كلام الغلبان في أي شيء… أي شيء..
ومنها الاهتمامات… والأولويات..
وفي أواخر عهد المخلوع كان الاهتمام – الأهم – هو قضية التجديد..
أو التعديل… أو الترشيح..
تعديل الدستور كيما يحظى المعزول بولاية جديدة ذات بيعة متجددة..
وتجلى الاهتمام هذا كلاماً كثيراً فارغاً..
كلام مرتاحين؛ في الإذاعات… والشاشات… والقاعات..
في حين أنه – في نظر الناس – كان كلاماً مملاً إلى حدٍّ يصعب توصيفه..
وكتبنا… ونبهنا… وحذرنا… وصرخنا..
ولكن أنَّى لمترفين – ومرتاحين – أن يسمعوا صخب الرعود؟..
وها هو التاريخ يُعيد نفسه… يعيده سريعاً..
فبعد أقل من ثلاثة أعوام من سقوط المرتاح الأكبر أفرزت لنا الثورة مرتاحين..
ارتاحوا في غضون عامين فقط..
وخلال الفترة الوجيزة هذه ماثلوا مرتاحي الإنقاذ في كلام (الراحات) نفسه..
وطفقوا يثرثرون فيما لا يهم الناس..
في الشاشات… في الإذاعات… في القاعات… في الاجتماعات..
ثرثرة في غاية الملل… والسخف… والانفصام..
لا فيها إحساس بالناس… ولا اهتماماتهم… ولا أولوياتهم… ولا عذاباتهم..
بل سبحان الواحد الأحد..
حتى نشرات الأخبار التلفزيوينة كأنها هي… هي؛ مع اختلاف المسميات..
تشابهٌ غريب – وعجيب – حتى في المفردات..
من قبيل تفقد… وتعهد… ووجَّه… وودع… واستقبل… و(لدى لقائه)..
أما عجيبة عجائب التشابه هذا فهو التمكين..
وهو جوهر – وروح – هذه السخافات الكلامية المنفصمة عن دنيا الناس..
سواء التمكين عبر المحاصصات..
أو التمكُّن من شهوات السلطة – وفيها – عبر الاستزادة من وسائل (الراحات)..
وتكفي – مثالاً – قصة الفارهات الإضافية للوزراء..
في وقت ضاق على الناس عيشُهم… وضاقت عليهم بلادُهم بما رحبت..
وهم (يتجدَّعون) على الكراسي… ويثرثرون..
ثم يُصلحون من أوضاع (كرفتاتهم) لتظهر الصورة حلوة..
وكما فعلنا بالأمس نفعل اليوم..
ما دام التاريخ قد أعاد نفسه – في بلادنا – بأعجل مما نتخيل..
نصرخ… ونحذر… وننبه؛ قبل فوات الأوان..
مع تباين أسباب فعلنا ما بين الأمس واليوم؛ صراخاً… وتحذيراً… وتنبيهاً..
فبالأمس كنا نفعل ذلك خوفاً على الناس..
خوفاً من أن يصيبهم عنتٌ أكبر مما هم فيه جراء انشغال المرتاحين عنهم..
انشغالهم بأنفسهم… بتمكينهم… بترشيح رئيسهم..
واليوم نفعل خوفاً على الثورة نفسها… وإن تشابهت الأسباب الانفصامية..
وقبل أيام كتبت أقول إنني أرى شجراً يسير..
فإن بلغ مضاربنا – قلت – فسوف اعتزل الكتابة السياسية من شدة القرف..
ففهم البعض أنني اعتزل منذ الآن..
وعلى أية حال فتاريخ (الآن) هذا لم يعد بعيدا… بما أراه من معطيات..
والبارحة تم نفي وجود محاولة انقلابية..
وأواخر حقبة الصادق المهدي كثُر مثل هذا النفي جداً..
فنامت الأحزاب – عدا حزب الجبهة – (قفا)..
والآن بعد النفي الأخير هذا – قبل أيام – نام المرتاحون (قفا)… وعلى جُنُوبِهم..
وعاودوا الانشغال بقضايا أنفسهم..
ومنها قضية مبادرة حمدوك… والتي هي محض ثرثرة مرتاحين جوفاء..
فالمرتاحون يتناقشون فيما بينهم..
والهدف من النقاش ظاهره الأزمات… وباطنه التمكين… أو المزيد منه..
وكيف للمتسببين في الأزمات هذه أن يكونوا هم الحل؟..
تماماً كما كان مرتاحو الإنقاذ يناقشون أنفسهم… بأنفسهم… عن أنفسهم..
والهدف بين مرتاحي الأمس – واليوم – هو (الراحات)..
أو كيفية مضاعفة أسباب الراحة… من كل شيء… وفي كل شيء..
وكل شيء الآن – كل شيء – كأنه هو… هو ذاته..
هو نفسه!!.