شاكر رابح يكتب : كليب أبو محمد الثقفي
عند العودة للتاريخ لا نأخذ منه إلا العِبر والدروس، وعندما نشير لشخصية تاريخية وشخصية حاضرة لا يعني بأي حال من الأحوال المقارنة بين الشخصيتين، وإنما العبرة تكون في الاستفادة من الظروف والمُلابسات المُحيطة بتاريخ وسلوك وممارسات كل منهم وربط ذلك بالحاضر، ليستفاد منه والعودة إلى عنوان المقال «كليب أبو محمد» وهو من اكثر الشخصيات المثيرة للجدل في زمانه، رغم انه من حَفَظَة القرآن الكريم وعمل مُدرِّساً للصبية بالطائف في بداية حياته، ويقال ايضاً عمل بائعاً وكان من أسرة كريمة مشهود لها بالكرم وسمو الأخلاق، وكان بليغاً وفصيح اللسان ورعاً، يُعظِّم كتاب الله ويتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يختم القرآن كل أربعة أيام وقيل يختمه يومياً في رمضان ويحمل كثيراً من الصفات النبيلة كعادة أهل الحجاز في ذلك الوقت، بالرغم من كل ذلك اختلف المؤرخون فوصفوه بالديكتاتورية والبطش والظلم وكثير منهم أنصفوه، كليب سمى نفسه لاحقاً الحجاج بن يوسف الثقفي الذي وُلد بالطائف، كانت حياته هادئة وطبيعية إلى ان وقع حادث عرضي شكّل علامة فارقة وقلبت حياته رأساً على عقب، في ذات يوم صفعه شرطي على وجهه بسبب خلاف بينه وبين صبية فكان وقع ذلك شديداً في نفسه وكان سبب هجرته إلى الشام، في ذلك الوقت الخليفة هو عبد الملك بن مروان، في عهد بني أمية عمل في الشرطة وأثبت نفسه وجدارته ومقدرته فتم تعيينه في مناصب عدة، فرأي عبد الملك ان شخصية الحجاج القوية يمكن أن تلعب دوراً في تثبيت الحكم والبطش بالأعداء والانتصار عليهم، كلفه الخليفة عبد الملك بقيادة جيش لغزو الحجاز والقضاء على دولة ابن الزبير، وقد حاصر الحجاج مكة المكرمة حتى سقطت ثم عُيِّن أميراً على الحجاز واليمن واليمامة فضاق به الناس ذرعاً، ووفقاً لروايات مختلفة تم عزله وتعيينه على ولاية العراق فكانت العراق رغم كثرة العلماء وانتشار العلم، تشهد فتناً وصراعات طائفية ومناطقية، وكانت هناك معارضة قوية ضد بني أمية من بعض العلماء، ورغم اختلاف الرواة والمُؤرِّخين حول فترة حكم الحجاج التي استمرت عشرين عاماً، إلا أنه حقّق إنجازات كثيرة ومن إنجازاته الأمنية والعسكرية غزو الحجاز ووضع نهاية للحكم فيها، ثم أخمد الفتن في العراق وقتل زعيم الخوارج وكانت هذه نهاية لهم، وقد أرسل الجيوش وغزا بلاد ما وراء النهر ما تعرف اليوم “بكازخستان وأوزبكستان”، ثم وصل بلاد الهند والسند ونشر الإسلام في ربوع هذه البلاد. أما إنجازاته في مجال الإصلاح الإداري قام بتعريب الدواوين من اللغة الفارسية إلى العربية وصك العملة واستصلاح الاراضي الزراعية، كما أوقف بيع الخمور، أما إنجازاته على صعيد التنمية والبنيات التحتية، قام ببناء الجسور على الأنهار وإنشاء الخزانات لتخزين مياه الأمطار وحفر الآبار في المناطق البعيدة في العراق وقد بنى عاصمة ادارية جديدة بين البصرة والكوفة اتخذها عاصمه ومقراً لحكمه اسمها واسط.
العبرة من إيراد قصة الحجاج ابن يوسف بهذا التبسيط حتى تكون لنا مدخلاً للوقوف على شخصية الفريق اول محمد حمدان دقلو “حميدتي” النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع، بعيداً عن المقارنة مع اختلاف الزمان والمكان، تظل هناك أوجه شبه بين تاريخ الشخصيتين منذ النشأة، حيث كانت بدايات “حميدتي” مثله ومثل أبناء جيله، حيث ولد في قرية الرزيقات وترعرع فيها ودرس في المدارس النظامية ثم التحق بخلاوي تدريس القرآن الكريم في بواكير صباه، ثم عمل برعاية الإبل، ثم بالتجارة، ثم كوّن مجموعة صغيرة لحماية تجارته والقوافل التجارية، ثم كوّن مع آخرين حرس الحدود لحماية المدنيين من اللصوص وقَطّاع الطرق، ثم في وقت لاحق عيّنته الحكومة على رأس قوات شعبية، ثم تطورت هذه القوات حتى تمت هيكلتها وتقنين وضعها بقانون وسُميت بعد ذلك بقوات الدعم السريع ذات مهام خاصة وبقيادات وجنود نوعيين، وقد لعب دوراً في إخماد حركات الكفاح المسلح بدارفور، اتفقنا أم اختلفنا، “حميدتي” لعب دوراً محورياً في الانحياز للشعب حتى إسقاط نظام الإنقاذ وحماية الثورة والثُّوّار، وبعد نجاح الثورة قام بأدوار دبلوماسية ساهمت بقدر كبير في تثبيت أركان الحكومة الانتقالية، بعد أن عُيِّن نائباً لرئيس مجلس السيادة قام بأول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية والتقى فيها ولي العهد السعودي ثم تلتها لاحقاً زيارات إلى قطر ومصر والإمارات، وقد أثار “حميدتي” جدلاً كثيفاً في الأوساط السياسية، وقد اُتّهم بقتل المتظاهرين وفض الاعتصام أمام القيادة العامة، وقد نفى “حميدتي” كل التهم التي وُجِّهت له، فيما يخص السلام وقد لعب دوراً إيجابياً وقاد وفد الحكومة حتى توقيع اتفاق السلام، قواته لعبت دوراً مهماً في محاربة الهجرة غير الشرعية ومُحاصرة عصابات الإتجار بالبشر والجرائم العابرة للقارات، كما انها عملت على إخماد الفتن في شرق السودان وجنوب كردفان، صحيح أنّ هناك أخطاءً وهنأت هنا وهناك واتهامات كثيرة لكل الشخصيتين أثارت جدلاً كثيفاً لدى المراقبين والمتابعين، وبالضرورة هنا ان ننظر للجزء الملئ من الكوب وننظر بعينٍ ثاقبةٍ لما تحقق من إنجاز على الأصعدة كافة، أمنية، عسكرية، سياسية واقتصادية، بعيداً عن التركيز على السلبيات دون وضع اعتبار الإيجابيّات.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،