حذّر منها حميدتي.. انتشار التطرف والعنصرية.. المجتمع إلى أين؟
تقرير: نجدة بشارة
حذر النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو من تفشي مظاهر التطرف والغلو وأمراض العصبية والكراهية والعنصرية، التي بدأت تنتشر بكثرة في المجتمع السوداني، وأوضح بأن المجتمع يحتاج الى التحصين بالمفاهيم الإسلامية الصحيحة والقيم الفاضلة الكريمة لمواجهتها، وأشار الى أن هذه المظاهر لا تمثل الإسلام في شيء ـ بحسب قولهـ، ولا تشبه قيمنا السودانية الأصيلة القائمة على التسامح وقبول الآخر.
وأكد ان هذه الظواهر التي بدأت تنتشر في البلاد لا تنفصل عن الواقع الذي تعيشه البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعاً مما يستدعي وقفة مع النفس لتقييم الأوضاع الحالية لنسلك الطريق الصحيح الذي يوصلنا الى بر الأمان.
وأشار الى أن المسؤولية تقع على عاتق العلماء والدعاة والشيوخ لنشر رسالة الاسلام السمحة، رسالة الاعتدال والخير والنور، خاصة في هذا الوقت الذي يواجه فيه الإسلام والمسلمون تحديات عظيمة، مبيناً أن إصلاح أي مجتمع يبدأ من الأسرة، ثم المدارس، والخلاوي والجامعات لذلك لا بد من الاهتمام بتربية أبنائنا تعاليم دينهم الصحيحة، فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع.
تنبيهات
تنبيهات (حميدتي).. لم تكن الأولى، حيث سبق وأطلق رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك، التحذيرات بسبب ما آلت إليه الأوضاع في المجتمع السوداني من انتشار لخطاب الكراهية، وقال إن أجواءً تنذر بالفوضى وحالة من التشظي والانقسام وغيرها من امراض المجتمع، وفي المقابل يتساءل متابعون على وسائل التواصل الاجتماعي عن أسباب انتشار هذه الظواهر في المجتمع، وما إن كانت هذه الممارسات وليدة الفترة الانتقالية ام ان غياب التشريعات والقوانين الرادعة كثف من ظهورها. وما هي الحلول لمحاربة مثل هذه الظواهر وأين اختفت المفاهيم الإسلامية واين دور الأئمة والدعاء؟.
تحديات الفترة الانتقالية
في تصريحات سابقة لمستشار رئيس الوزراء السوداني لشؤون الإعلام فيصل محمد صالح، أشار فيها الى اتساع رقعة الخلافات والإثنية بالبلاد، وارجعها إلى تفشي ما يُعرف بخطاب الكراهية، واضاف فيصل ان الفترة الانتقالية في السودان تمر بعدة تحديات، من بينها كيفية الحد من استخدام خطاب الكراهية لتأجيج النزاعات.
وأجاب القيادي بلجان المقاومة رئيس تجمع شباب السودان أيوب محمد عباس في حديثه لـ(الصيحة) بأن تنبيهات نائب رئيس مجلس السيادة تبين خلفيته كرجل دولة حقيقي ساهم في صنع السلام، وله ادوار في تعزيز مقومات الوحدة الوطنية، ويعي أهمية التسامح والعدالة الانتقالية في رتق النسيج الاجتماعي بالبلاد.
وأمن أيوب على انتشار مثل هذه الظواهر واعتبرها احد تحديات ومعضلات الفترة الانتقالية، مبيناً ان هذه الظواهر مؤشر خطير قد يقود البلاد الى المهالك، وربط ذلك بانتشار “سياسات شيطنة الآخر السائدة” وسط السياسيين؛ واوضح أن الحلول لمعالجة ومحاربة مثل هذه الظواهر المُجتمعية تتمثل في ضرورة الأخذ بدور المجموعات الشبابية ومؤسسات المجتمع المدني، اضافة الى الاحزاب السياسية لتعزيز دور السلم المجتمعي ولرتق النسيج الاجتماعي والى ردم الفجوات الاقتصادية والسياسية التي شكلت افرازات سالبة على شرائح الشباب، واردف “ارى ان المسؤولية تقع على عاتق الأئمة والدعاء لتقوية المفاهيم الإسلامية.”
الناس على “دين ملوكهم”
لكن نائب الأمين العام لهيئة علماء السودان د. عثمان محمد النضيف دافع عن وجود الأئمة ومشائخ الدين، وقال لـ(الصيحة) إن هنالك رابطا بين التغيير في النظام الحاكم، واردف الشاهد على مر الزمان ان تغيير نظام إسلامي بنظام غير إسلامي يعقبه موجة من التفسق والتحلل، وقال “الحديث ليس مقصورا على تجربة سقوط الانقاذ ولكن معمم على الانظمة التاريخية المتعاقبة”؛ واردف “الناس على دين ملوكهم”، ويرى النضيف ان هنالك غيابا للقوانين الرادعة، واردف من أمن العقاب اساء الأدب، وأكد ان هنالك فراغا نتج عن إلغاء قانون أمن المجتمع او (النظام العام)، واردف ابطال القانون بجرة قلم ترك اثرا سلبيا كبيرا وكارثيا على المجتمع، وقال “كان حرياً معالجة التطبيق وليس إلغاء للقانون”، وارجع انتشار الجرائم والظواهر السالبة في المجتمع لذلك، ولسؤاله عن دور الائمة والدعاة، اشار الى ان دور الدعاة (قتل مع سبق الإصرار)، واردف “الشاهد احلال مجلس الدعوة بولاية الخرطوم”، وكشف عن وجود أئمة الآن داخل المعتقلات، وقال ان ما يحدث استهداف دولي ومنفذ بأجندة داخلية.
العدالة الانتقالية
في السياق، أوضح أيوب بأن فترات الانتقال الديمقراطي تمر بالكثير من التعقيدات والتغييرات في مفاهيم المجتمع، وضرب مثلا بما حدث في جنوب افريقيا في تجاوز مرارات الماضي عبر اتباع حكمة نيلسون مانديلا ورسالته الشهيرة التي قال فيها “أحبتي ثوّار العرب، لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح، كان يوماً مشمساً من أيام “كيب تاون”، خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف يوم.. خرجت إلى الدنيا بعدما وُورِيتُ عنها سبعاً وعشرين عاماً لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد ورغم أن اللحظة أمام سجن “فكتور فستر” كانت كثيفة على المستوى الشخصي، إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن”. إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلاً؟
أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم: لقد خرجتم لتوّكم من سجنكم الكبير؛ وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم. إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي أو على لغة أحد مفكريكم، فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل.
أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي بأن معظم الوقت في الدول العربية الخارجة من الأنظمة الاستبدادية هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة. ذاك أمر خاطئ في نظري. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر. إنها سياسة مرة لكنها ناجحة.
وعاد أيوب عباس الى أن حديث “حميدتي” وكأنما يستشفه من حديث مانديلا عن تجاوز مرارات الماضي لقيام دولة العدل، واردف ارى ان بهذه القيادة الحكيمة يُمكن أن يتجاوز السودانيون كل مراراتهم ويتطلعوا للمستقبل بعين التسامُح.