ملام.. المنشور السري للعشاق
لو مني مستني الملام/ يا سلام عليك يا سلام
دا السكوت يا حلوة/ مرات كلام
وعدم الكلام/ هو كمان كلام
(1)
بكل الشجن الذي تمتلئ بهذه المفردات كان مصطفى سيد أحمد يغنيها ويعلن بها بدايات إشراقه كفنان جديد مازال يتحسس ويتلمس خطواته في درب الغناء.. وأغنية ملام التي صاغها الشاعر عبد الوهاب هلاوي هذا الكسلاوي الجميل، تعتبر من الأغنيات المحفورة في وجدان كل سوداني لأنها حملت بين ثناياها دفق شعوري نبيل، وهذه الأغنية كانت في زمان ما هي المنشور السري للعشاق، لأنها تحكي بلسان لا يقوى على الحديث وإجترار الذكريات الأليمة، ومصطفى سيد أحمد بصوته المشحون بالشجن أضفى عليها طعماً مغايراً وألبسها ثوباً يكاد يكتحل بالسواد..
(2)
ملام رغم البساطة التي تسكن سطورها وتركيبتها اللحنية ولكنها جأت عميقة ومعبرة وذات طعم خاص مازلنا نتحسسه ونتذوقه حتى هذه اللحظة لأنها حملت في جوفها عوامل بقاؤها وخلودها كأغنية ضد النسيان والزوال.. شاعرها عبد الوهاب هلاوي كنت قد اتصلت عليه لأسأله عن أغنية أخرى هي فراش القاش ولكنه قال لي بأنه يريد أن يحكي قصة أغنية لو مني مستني الملام، وصادف اختيار هلاوي هوي في نفسي.. لأن الأغنية كانت تمثل بالنسبة لي حالة شعورية خاصة عشتها في حياتي، لذلك تركت له حبل الإجترار علي القارب وجعلته يتهادي بالتذكار كيف شاء.. وأنا كنت أدون فقط وأسترجع مع هلاوي تلك اللحظة الفارقة في تاريخه الوجداني.. تلك اللحظة التي جأت بأغنية في دهشة “ملام”.
(3)
وبدأ هلاوي في الانسياب (أغنيات كثيرة كتبتها في حياتي، أغنيات مشت بين الناس ووجدت قبولاً كبيراً وساهمت في تهريف الناس بهلاوي الشاعر الجديد في ذلك الأوان.. ولكن هنالك بعض الأغنيات تظل تشكل في حياتي منعطفات خاصة لعدة أسباب أولها الظروف التي كتبت لها تلك الأغنيات ولإرتباطها الوجداني ىبشخصي، وثانياً الملابسات الفنية التي جعلت تلك الأغنيات تصل للناس، ولعل الفنان مصطفى سيد أحمد واحد من المطربين الذين نمت بيني وبينهم علاقات خاصة أستمدت ألقها وسحرها من ألق ذلك المصطفى الوسيم فنياً وثقافياً واجتماعياً وفكرياً.
(4)
أغنية لو مني مستني الملام أو ملام كما ليحلو للكثيرون أن يطلقوا عليها لم تكن هي الأغنية الوحيدة التي جعلتها مشروعاً للتعاون الفني بيني ومصطفى سيد أحمد ولكن كان هنالك ثمة مشاريع غنائية كنا نخطط لها سوياً، وهذه الأغنية (ملام) كتبتها وأنا في مدينة الخرطوم ولكنها تحمل نفس سمات المنطقة التي ولدت وعشت فيها (كسلا الجميلة).. وهي كتبتها (لحبيبتي القديمة) التي تركتني ذات يوم وذهبت مع الريح في غياهب الأيام وتركتني وحيداً وفي القلب شيء من جراح.
(5)
ويسترسل عبد الوهاب هلاوي (أغنية لو مني مستني الملام هي من الأغنيات البسيطة في فكتها ومفردتها ولكنها صادقة ومعبرة لأنني كتبتها في زمن باكر من حياتي وكان ذلك في العام 1982، وتواعدنا أنا ومصطفى على أن نلتقي في الخرطوم جوار سينما كلزيوم، ولعل مواعيد مصطفى تختلف عن مواعيد غيره، فذهبت الى المكان المحدد ووجدته ينتظرني وقد جاء قبل المواعيد بساعات، واصطحبته للمنزل في حي الدناقلة بالخرطوم بحري وتناول معي وجبة الغداء، وكعادته ولطفه وسماحته كان يداعب ويلاعب طفلي الصغير.
(6)
وبعد أن تناولنا الغداء وشربنا الشاي المنعنع، جلسنا بعد ذلك معاً وقرأت له العديد من القصائد فتخير من بينها أغنية “لو مني مستني الملام”.. وغادر بعد ذلك المنزل وحمل معه القصيدة للملحن المعروف يوسف السماني والذي قام بتلحين القصيدة في فترة وجيزة.. وحينما أستمعت لمصطفى وهو يقوم بتقديمها لأول مرة في الأذاعة، أحسست في تلك اللحظة بأن إضافة حقيقية قد أحدثها الرجل في حياتي الفنية على الرغم من عشرات المطربين قد سبقوه في التغني بكلمات. ورغم رحيل مصطفى سيد أحمد ولكنه مازال صوته يرن بداخلي حتى هذه اللحظة.