فضل الله رابح يكتب : قناة أمدرمان تفتح الأسئلة حول مستقبل الإعلام في السودان؟
لقد ألجمتني الدهشة وصدمة بيان توقف قناة أم درمان الفضائية عن البث الفضائي لمدة اسبوع ولم أتمكن من التعليق عليه ليس حسرة على قرار التوقف الذي كان متوقعا بالنسبة لي وليس لموقف شخصي تجاه مالكها أستاذ الأجيال ـ حسين خوجلي ولكن حيرة في أن يتوقف مد قناة وشريان الثقافة الإعلامي السوداني الأول دون أن ينتبه المشتغلون بمهنة الإعلام والمهتمون بالفعل الثقافي بالبلاد لخطر توقف قناة أمدرمان و الحذر والاكتراث من تمدد شظايا هذا الخطر القادم على الاعلام السوداني عموما.. مؤسف حقا أن يصمت الإعلام عن التعليق على حدث مدوي مثل قرار توقف قناة أمدرمان التي من فرط حب (الحسين) للعاصمة الوطنية وبطاقة الإنتماء لها أن أطلق اسمها على قناته تيمنا بها.. اسبوع تمام مر على بيان حسين خوجلي الموجع ولم يخرج أي رد فعل رسمي ولا من الاعلام.ـ هل ينتظر الزملاء أن تدافع قناة أمدرمان عن نفسها وهل أمنوا أنفسهم من أن السكين التي زبحت قناة أمدرمان لا تصل الى رقاب وسائطهم ووسائلهم الاعلامية سيما التقليدية (إذاعة وتلفزيون) والتي تمر بأزمة حقيقية اليوم..? كنت أمل أن تبادر الحكومة الانتقالية بتكوين لجنة مستقلة ودائمة خاصة في غياب البرلمان والاجهزة التشريعية والنقابية للصحفيين وتكون مهمة هذه اللجنة في المقام الاول وضع رؤية إستراتيجية وتنفيذية لدعم الاعلام بصورة غير مباشرة خاصة في جوانب التوزيع وتطوير البنى التحتية وتدريب الكادر البشري والإحاطة الاجتماعية بالصحفيين وتكون لجنة مستقلة عن الحكومة حتى تنأى الحكومة بنفسها عن إمكانية تأثير وسائل الإعلام المستفيدة وحتى يدرك المستفيدون أنهم لا يتلقون منة من الحكومة ولا من أحزابها السياسية وإنما دعم من دافع الضرائب الذي من حقه ينتظر من الاعلام والصحافة منتوجا يحترم ذكائه وذوقه وكرامته.. إن رعاية الدولة للاعلام ولقناة منوعات ثقافية مثل أمدرمان ليس مربوطا بـ (حسين خوجلي) السياسي وإنما بـ (حسين) المثقف والمبدع واسهامه واسهام قناته في إثراء الساحة الثقافية والتنوير والمعرفة وهنا يلزم ان تكتفي الحكومة بوضع سياسات عامة واجبة الالتزام والتنفيذ من الاعلام بدلا من التضييق والإجراءات التي تأثرت بها كثير من وسائل الاعلام بسبب شح الاعلان وهنا دعم الدولة لا يعني التأثير على استقلالية وحرية الاعلام كما يتصور البعض وإنما لتمكينه لتحقيق شعار: (لا حياة ديمقراطية بلا إعلام حر) إعلام يسهم في تبادل المعلومات والأفكار والآراء المتنوعة سيما في بلد متنوع ثقافيا واجتماعيا وسياسيا مثل السودان حيث يتطلب ان يكون الاعلام فعالا ومحفذا لثقافة الحوار والنقاش كما أن الحكم الراشد يتطلب اعلام يسهم في كشف الحقائق ويبين انحرافات مؤسسات السلطة والإنتهكات واستقلال النفوذ الحكومي ولكن ما يتم الان لا يتسق مع مبادئ التحول الديمقراطي فهو مجرد السعي لخلق وتخلق إعلام أوحادي يمارس ثقافة التمجيد والإشادة والتسبيح بحمد الإنظمة الإستبدادية ليس إلا.. ومن المبادئ العامة أن رعاية ودعم الدولة للمؤسسات الاعلامية الحرة بشكل مباشر او غير مباشر يعتبر نشاط أساسي لا غنى عنه ولا بد أن يكونا دعما منظما يتجاوز محاولات استمالة الاعلام بالمال وإبتزاز مؤسساته بالاعلان فإذا تم هذا المنهج سيسهم في تعزيز مبدأ تعددية الإعلام ووسائله وإثراء التنوع الثقافي والمساواة في المعاملة وهذا كله يصب في خانة إيجاد مؤسسات إعلامية حرة وإنتاج محتوي إعلامي مؤثر وبه جودة ومهنية.. إن فكرة دعم الدولة للمؤسسات الإعلامية العامة والخاصة معمول بها في كبرى الدول الديمقراطية مثل فرنسا وألمانيا وأن كثير من الدول تخصص أموالا طائلة بشكل سنوي من مال دافعي الضرائب لدعم وسائل الاعلام بإعتبار الإعلام خدمة عمومية في غاية الاهمية خاصة في أوقات الازمات والكوارث مثل جائحة كورونا والحروب والأزمات السياسية وغيرها ولذلك في حالة بيان قناة أمدرمان المؤثر كنت أتوقع أن تكون الحكومة لديها أولويات وأهداف كبيرة تجاه الإعلام ومؤسساته في مقدمتها المحافظة عليه ومن خلال هذه الأولويات يبادر رئيس الوزراء الدكتور ـ عبدالله حمدوك أو رئيس المجلس السيادي الفريق اول ـ عبد الفتاح البرهان أو حتى المؤسسات المتخصصة مثل الجيش أن يبادروا بالاتصال بالاستاذ ـ حسين خوجلي وتبني مشروع المحافظة على قناة أمدرمان كقناة وطنية معنية ببث وترويج تراث الأمة السودانية والتعبئة الوطنية الشاملة ولإثراء الإعلام التعددي الذي يضع حدا لاحتكار الفضاء الاعلامي من طرف مجموعة محددة (سياسية ـ دينية ـ ثقافية ـ أو اقتصادية) وأن يتحول الاعلام إلى حارس للمجتمع في تنوعه وتعدديته ويجب تمثيل كافة الاتجاهات داخله.. إن شعار ـ حرية سلام وعدالة وعمليات التحول الديمقراطي تتغذى بصورة أساسية من خلال قدرة المجتمع على النفاذ السهل الى المعلومات التي تهمه والحصول على المعلومات الصحيحة والمحايدة وهذا لن يتم الا من خلال ما تتيحه وسائل الإعلام من مساحات وحرية لمختلف المجموعات السياسية والفكرية والثقافية للتعبير عن رؤاها ومعتقداتها وهذه اهم تمظهرات اي ديمقراطية في اي بلد ولهذا الدولة في أرفع مستوياتها مطالبة بالنظر والاهتمام بعملية حماية الاعلام ودعمه وتقويته من اجل حماية الديمقراطية نفسها وذلك انطلاقا من حالة قناة أمدرمان التي تعرضت الى تدمير وتجريف ممنهج كان يدار بطريقة ناعمة وتحت ضوء خافت للأسف من داخل وزارة الثقافة والإعلام والإتصالات ..